أخبرني أحدهم أن «ديل كارنيجي» سأل مديراً في شركة ما عن الغلطة الكبرى التي يرتكبها طُلابُ العملِ في شركتهم فأجاب: إنَّ أكبرَ غلطةٍ يرتكبُها طلابُ الأعمال أنهم لا ينطلقون على سجاياهم، فبدلاً من أنْ يصارحوك بحقيقةِ أفكارهم وآرائهم فهم يحاولون أن يجيبوا على أسئلتك بما يظنونه الجواب الذي تريده أنت، ولكننا نعرف الشخص الذي يدّعي ما ليس فيه كما نعرف العملة الزائفة. انتهى كلام صديقي فعادت بي ذاكرتي إلى أيام البحث عن عمل، والتنقل بين لجان المقابلات الشخصية والاختبارات التحريرية، تحت شمس الرياض الحارقة وفي كنف سمومها القاتل. أنتظرُ نصيبي بين ركام العاطلين في ساحة واسعة، نُودي باسمي لأدخل على لجنةِ المقابلة، سألني أحدهم بسرعة، هل تعرف صلاح البيطار وميشيل عفلق؟ كنت في سنٍ صغيرة أحمل عقلا خرجَ بولادة قيصرية من رحمِ تعليمٍ رديء محدود النظر بين طيتيّ كتاب يحفظُه لينساه، فقط كنت أهيمُ بالمسلسلات السورية التي تحكي أجواءَ مجتمعات الشام القديمة، لا حباً في التاريخ بقدر ما كان استمتاعاً بلهجةٍ غريبةٍ للتو طرقت أبواب مسامعي. كنتُ أرى الابتسامة على وجه السائل كمرآة تعكسُ علامات الاستغراب على وجهي، استسلمت لأمر القدر، وتلقفت الهزيمة بكفوف الأسى، فاستوت أمامي كل دروب الأهوال، مما ألهمني أن أقول بصوت هادئ: أما «عفلق» فلم أسمع عنه، أما البيطار فهو اسم عائلةٍ في مسلسل سوري. غربتْ شمس الابتسامة عن وجه السائل وأظهر وجها مُتكلفَ السواد وكأنه أراد أن يخلخل فؤادي وقال: ألم تسمع عن حزب البعث؟ قم واخرج. الجميلُ في تلك الواقعة أنني خرجت بفائدتين، الأولى أنني لم أنسَ أسماء مؤسسي حزب البعث منذ ذلك اليوم، والثانية أن مثل هذه المقابلات الشخصية لا تبحث عن إجابة صحيحة بقدر ما تبحث عن جوانب شخصية في داخل نفسك الإنسانية. ولن تظهر تلك الجوانب إلا بقدر ما كنت ملتزما بسجاياك الطبيعية وشخصيتك الحقة دون ذوبان في شخصية أخرى تريدُ أن تُري الناس ما يحبون أن يروه فيك. وقد تأكد لي ذلك عندما نَعى إليّ صديقي خبر قبولي في ذلك العمل. دائما؛ كُن أنت فأنت شخصيةٌ فذة لا تشبهُ غيرك.