ارتبطت الحداثة في أدبيّات السياسة العربية في العصر الحديث بالظلم والدكتاتورية، حيث دار الحداثيون العرب ممن رفعوا راية الحداثة في الشعر العربي، بالتطبيل للأنظمة العربية القمعية وكذلك الاستخفاف برموز الأمة كهارون الرشيد الذي قضى على البرامكة الفرس والسلطان العثماني الذي رفض بيع فلسطين لليهود، وهم الذين -أي الحداثيين- دبّجوا القصائد الكثيرة في تمجيد العروبة والدفاع عن فلسطين، وكأني بهذه الحداثة العربية أنها كانت مخترقة فارسيًّا صفويًّا ويهوديًّا صهيونيًّا عندما شهّروا وشتموا من حجّم الفرس في الدولة العباسية ورفض توطين اليهود الصهاينة في فلسطين. الليبراليون هذه الأيام ليسوا بمنأى عن هذا التفكير، أو هذه الممارسة، وذلك بعد أن غيّر الحداثيون مسماهم، وصاروا ليبراليين وتحوّل ولاءهم من المعسكر الشرقي المؤمن بعالمية الثورة، واتجهت بهم البوصلة للغرب، حيث صار الليبراليون يؤمنون بثقافة العولمة، وكلتا الحالتين ترفض دعوات الهوية والخصوصية الحضارية، مع تشابه واضح في عدم تقبل النقد، وحرص كلا الطرفين على وصف المخالفين بالرجعية أو التخلف أو الظلامية، والحكم على من يعارضهم بالجهل وعدم المعرفة. حب الليبراليين للتبعية سببه أنهم خرجوا من عباءة الحداثة، إما سلوكًا كانوا يمارسونه، أو فكرًا آمنوا به بعد ذلك، وكما أن الحداثيين العرب يعشقون الديكتاتوريّات ويدورون في فلك الجبابرة طبّل الليبراليون العرب لأمريكا عندما غزت أفغانستان، ورقصوا على أشلاء الشعب العراقي عندما احتلت القوات الأمريكيةالعراق، واستباحت عاصمة المنصور، ولم يقف بهم مسلسل حب التبعيّة، إذ هللوا وطبّلوا لقصف غزة، ورغم أنني أختلف مع الإخوان المسلمين ولا أوافق كثيرا من أطروحات أصحاب الإسلام السياسي، لكن رفض الظلم جِبِلّة طُبع عليها سلوك الإنسان السوي، مهما اختلفت أعراقه وأجناسه، وأيًّا كانت ملّته ودينه، لكن هؤلاء القوم كأن الأمر لا يعنيهم في شيء.