تُحاولُ بعضُ الأوراقِ أن تُخبئ بين ركام صفحاتٍ ملونة صفحاتِها السود، حبذتِ الغيابَ عن الظهورِ أمام الملأ برسمٍ مشوه ومعنى بارد وخدودٍ تشكّى الجدب ظاهرها، هي عورات بدت رغما عنها، حاولت أن تواري سوءاتها بدفن صفحاتِها. شكَّلها ربُها عن هوى يدفعه، وانعدام بصيرة تقوده، فجلب لها الكاشفة وجلبت له الفاضحة. هي كذلك كل دعوى ضامرة، كشجرة شائكة، شوهت من نفسها قبل أن تدفع عن حالِها، فنبذها كل مبصرٍ واقتلعها كل قادر. هي أوراقٌ كشفتها عاصفةُ أوراق، عاثت في أدراجها فاستخرجتها عنوة، ونثرتها رمادا لم يُسَّف إلا في أعينٍ ممسوحة، ووجوهٍ ممجوجة، انجلى معها المخبأ وانكشف سوء المستور، كان هذا في الأيام القليلة الماضية، قصة عارضة، وموقف بريء، عصفت معه عاصفة الأوراق بدسائس النفوس، وحقيقة القلوب وما يُحاك في الصدور، حكايةٌ انبرى لها بُغاث الطيرِ في كتائب الكره والتمييز، وسرايا البغض والتحييز، جنودُها من دعاة الحرية الخادعة، وقادتها ممن توشح بوشاح الليبرالية المُزيفة، اقتادوا معهم كل غرابٍ يحْجُل، وكل حيةٍ تَنساب، فوُجِّه مع القصةِ كل مضادٍ صاروخي بغيض، وزُرع كل لغمٍ متفجر مُخيف، هذه القصة هي قصة فضيلة تُصارع رذيلة، قصةُ الشمس مع غمامٍ جاهل، وحكايةُ النور مع دخان واهم، بل حكاية الغلو إذا سُربل بغبشِ الحرية. هذه القصة ما هي إلا قصة فصول تحفيظ القرآن، فبعد أن صدرت تعليمات الإقراء والتحفيظ، وتنظيم حِلق الذكرِ والترتيل، عملا بخيركم من تعلم القرآن وعلمه، وتحقيقا لفهم الذكر وتدبُّرِه، وإمعانا في غرس الوسطية الحقَّة، وجعل القرآن قاعدة لفكرٍ نجيب، وأساسا نفهم معه ما تعقَّد من ذواتنا، ونُقوم به ما اعوَج من ألسنتنا. هنا ظهرت طلائعُ البُغاث، فَكرِه كل أسودَ قلبٍ نورَ الحقِ أن يُدرّس، وشفاءَ الصدور أن يُشافي، وظهرت معهم عورات أوراقهم، فصرخوا وصرخت، وناحوا وناحت، وأطلوا برؤوسهم من خلف حنظلة كانت تُرضعهم، أو عرفجة كانت تسترهم، فأبانوا عن الرغبة في طمس الكتاب، ودفن الفرقان، ومحاربة السبع المثان، علموا أن جيلا تربى على القرآن سيوقظ مضجع كل مُعربِد، ويزحزحُ كل مُريب، ويُلهب كُل باغز، فدفعوا أرواحهم ثمنا لباطلٍ يُقام، وغوغاء تثور، لعل دِرَّة أموالهم لا تنقطع، وكسبا يكسبونه لا ينقضي ولا ينصرم، حُرموا الخير فضاق بهم ما يفعل المؤمنون، غاب عنهم -فهم لا يقرؤون- إنهم أهون من دهاء الوليد، وأضعف من كيد أمية، فلن يبلغوا في جهدهم أعظم مما بلغ الأولون، فكانوا لنا أكذبَ مَنْ دَبَّ ودَرَج، وكانت فصول تلك الحكاية قاصمة الظهر لكل داعٍ لليبرالية، وفاضحة الدهر لكل منادٍ بالحرية، والكاشفة لكل حقيقة لمن أراد النظر بعين الصواب لفكرٍ يتهاوى وباطل نُسف بأيدي صانعيه.