بنهاية ثمانينيات القرن الميلادي الماضي وانسحاب الاتحاد السوفييتي من أفغانستان تأسس تنظيم القاعدة من بقايا الأفغان العرب بقيادة أسامة بن لادن. في عام 1996م أُنشئ ما سمي حينها «الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين» وأعلن «بن لادن» وقاعدته الحرب على حليفه السابق الولاياتالمتحدة وحلفائها ومصالحها، والجهاد لطرد القوات الأمريكية والأجنبية من البلاد الإسلامية. ما بين تلك الأعوام تمت عدة عمليات إرهابية، سارعت القاعدة إلى تبنيها. لكن العملية النوعية الأولى كانت التفجيرات المتزامنة لسفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام عام 1998م، الذي راح ضحيتها أكثر من 300 شخص. تلا ذلك توجيه ضربات جوية أمريكية ضد مصنع أدوية في الخرطوم، ثم ضرب معسكرات القاعدة في أفغانستان. 11 سبتمبر كانت العملية التي وضعت «بن لادن» في الصدارة الإرهابية وردت أمريكا بإعلان الحرب على الإرهاب. ضربت أفغانستان وأسقطت طالبان وفر عدد من قيادات القاعدة، فاستضافتهم إيران. كانت حادثة 11 سبتمبر صفعة لأمريكا، التي أوجدت الذرائع لاحتلال العراق فتداعى المتطرفون من كل مكان للانضمام للقاعدة والجهاد ضد أمريكا. مع تطورالتقنيات لجأت القاعدة للإنترنت، من خلال الشبكة العنكبوتية استطاعت الدعاية لأفكارها والتعبئة والتجنيد والاستقطاب والبحث عن التمويل. وتحولت القاعدة إلى فكر وعقيدة، علاوةً على كونها تنظيماً هرمياً. ساعد ذلك على استقطاب أكبر للمتطرفين الجاهزين أصلاً بسبب البيئات الثقافية، والحواضن الاجتماعية، والأوضاع السياسية والاقتصادية، والخطاب التحريضي. نشأت قواعد للجهاد «كما سميت» في المغرب الإسلامي، وجزيرة العرب، وبلاد الرافدين. اكتوت المملكة العربية السعودية بنار الإرهاب خلال التسعينيات، تبنت القاعدة عدداً من الأعمال الإرهابية التي بلغت ذروتها عامي 2003 و 2004م. تمكنت قوات الأمن من توجيه ضربات موجعة للتنظيم وقتل عدد من قادته واعتقال عدد من أتباعه مما أدى إلى تراجع عملياته. لكن فكر القاعدة استمر في الانتشار. أسهمت الأوضاع في العراق ومن ثم في سوريا إلى استقطاب إرهابيين جدد بذريعة الجهاد. من رحم القاعدة ولد «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق» ثم في الشام، الذي انفصل رسمياً عن القاعدة في فبراير 2014م. في يونيو من العام نفسه أعلن التنظيم الخلافة المزعومة وغير اسمه إلى «الدولة الإسلامية». تلك هي داعش، النسخة المطورة من القاعدة والأكثر توحشاً ودموية ولا إنسانية، والأقدر على الاستقطاب والحشد، والأكفأ في توظيف التقنية وتوفيرالتمويل. في سبتمبر 2014م شكلت أمريكا تحالفاً دولياً لمحاربة داعش، وعشية بدء الضربات الجوية أعلن مسؤولون أمريكيون على رأسهم الرئيس أوباما بأن «تنظيم خراسان» يشكل خطراً على الأمن القومي الأمريكي ربما يفوق تهديد داعش!! حتى تلك اللحظة لم يكن كثيرون سمعوا ب «تنظيم خراسان». بعدها أشارت تقارير إلى مقتل محسن الفضلي زعيم التنظيم وأحد أعوان «بن لادن» السابقين الذي تتعقبه أمريكا منذ سنوات وكان في ضيافة إيران قبل أن يصل إلى سوريا. عن ذلك يقول الدكتور فاضل الربيعي في مقال نشره مؤخراً: «ستبدأ حفلة الجنون الكبرى والحقيقية في الشرق الأوسط حين يعلن رسمياً عن ولادة تنظيم خراسان، الأكثر وحشية من داعش… وقد يتذكر كثيرون أن واشنطن هي الطرف الوحيد الذي أعلن رسمياً أنه قام خلال طلعات التحالف الدولي الجوية ضد داعش بتوجيه ضربات قاتلة لتنظيم يدعى «خراسان» «ويشير إلى ثمة مغزى عميق في دلالة إطلاق اسم «خراسان» لإعادة إنتاج التراث وتوظيف التاريخ ليصبح مستقبلاً. وماشاب رأسي من سنين تتابعت ** عليَّ ولكن شيبتني الوقائع داعش تبنى خلال هذا العام العمليات الإرهابية في الدالوة، والقديح، والدمام والكويت، وتفجيرات في العراق واليمن وتونس وليبيا. وأقدم المنتمون له على استهداف عدد من رجال الأمن، وأعلنت وزارة الداخلية قبل أيام القبض على «431» داعشياً وإحباط عمليات إرهابية لو حصلت لذهب آلاف ضحيتها. فما الذي يحصل؟ ما الذي يدفع إنساناً لاستهداف المصلين في المساجد؟ وابناً لقتل أبيه، وآخر لقتل خاله؟ وكيف يستقيم أن مروج مخدرات ومنحرفا سلوكياً من أرباب السوابق ينضم لداعش ويقتل رجل أمن؟ ولم أر مثل الخير يتركه امرؤ ** ولا الشر يأتيه امرؤ وهو طائع اللافت في بيانات وزارة الداخلية الأخيرة أن أكثر الإرهابيين الجدد من صغار السن الذين لم يسبق لهم السفر خارج المملكة وليس لهم سجلات أو سوابق أمنية. هؤلاء من يستهدفهم التنظيم، لكن هل من المعقول أن يقال بأن داعش استطاع استقطاب كل أولئك ال431 مع آخرين صامتين لا يعلم عددهم إلا الله خلال عام واحد!! لا يمكن لأي تنظيم إرهابي أو غيره أن يعمل دون غطاء استخباراتي، وهذا أمر مفروغٌ منه بالنسبة لداعش وأيضا لخراسان الذي يعد للإطلاق كنسخة إرهابية مطورة. السؤال: كيف يمكن مواجهة تلك التنظيمات وحماية أبنائنا؟ هل لدينا دراسات عميقة عن الأسباب والظواهر؟ جل ما يكتب لا يعدو كونه رأياً انطباعياً، فالتكفير ظاهرة قديمة لم تصل إلى القتل والتفجير في كل مراحلها. ما الذي يقود هؤلاء الشباب إلى التفجير والقتل؟ هل هو الخطاب التحريضي المتشدد أم البيئات الحاضنة هنا وهناك، أم الأدوار الغائبة للأسر والمؤسسات الاجتماعية أم عوامل أخرى؟ وحتى نصل إلى إجابات محددة ستستمر المعالجة الأمنية وحدها التي أثبتت نجاحها حتى الآن، فالشكر والدعاء لكل عين تسهر لننام بأمان وتحرس لننعم بالأمن والاطمئنان. وسأظل أتساءل: من المسؤول عن المعالجات الأخرى؟ هززتك لا أني ظننتك ناسياً ** لوعد ولا أني أردت التقاضيا ولكن رأيت السيف في حال سلّه ** إلى الهز محتاجا وإن كان ماضيا