عَمدَت الحكومات الأوروبية إلى فرض إجراءاتٍ غير مسبوقة ومثيرة للجدل لمواجهة تصاعد الفكر المتطرف على أراضيها بعدما بلغ عدد المقاتلين الأوروبيين في سوريا والعراق عدة آلاف. لكن خبراء يحذرون من التغوُّل على الحريات وغياب الثقة بين وكالات الاستخبارات. ومنذ دعا تنظيم «داعش» إلى الانضمام لما يُسمَّى «الخلافة الإسلامية» التي أعلنها قبل عام؛ ارتفع عدد المقاتلين الأجانب الذين ينضمون إلى المتطرفين، وتحدثت الأممالمتحدة عن ارتفاعٍ بنسبة 71% خلال 9 أشهر «بين يوليو وإبريل الماضيين». ووفق المركز الدولي لدراسة التطرف في لندن؛ فإن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق تخطى 20 ألفاً بحلول يناير الماضي، فيما تُقدَّر نسبة المنتمين منهم إلى دول أوروبا الغربية ب 20%. وتخبطت الحكومات الأوروبية في محاولتها إيجاد حل، ووجدت نفسها بين أمرين هما ضمان الأمن في البلاد والحريات المدنية، خاصةً حين تلجأ إلى حظر السفر على بعض الأشخاص. وعلى سبيل المثال؛ صادرت فرنسا 60 جواز سفر منذ فبراير الماضي. ووافق مشرِّعوها على تعزيز إجراءات الرقابة عبر السماح بوضع كاميرات مراقبة في المنازل وأجهزة تجسس على الحواسب الخاصة بأي شخص يخضع لتحقيقات حول الإرهاب حتى دون الحصول على مذكرة قضائية. وصادقت بريطانيا أيضاً على تشريع مماثل في فبراير الماضي يتضمن بنداً مثيراً للجدل حول منع الأئمة «المتطرفين» من إلقاء كلمات في الجامعات. إلى ذلك؛ بدأت كل من ألمانيا وهولندا والدنمارك مصادرة بطاقات الهوية وجوازات السفر لمنع من يُشتبَه في أنهم جهاديون من مغادرة البلاد، ويُتوقَّع لجوء بلجيكا قريباً إلى الإجراء ذاته. ويتخوف المحلل في مركز المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنثوني دووركين، من «ميل الكفة لصالح ضمان الأمن بعيداً جداً عن احترام الحريات المدنية». ووفق دووركين؛ فإنه «من المهم جداً أن يعكس ردنا على الإرهاب بعض المرونة خاصة أننا لن نتخلص أبداً بشكل كامل من المشكلة». ويرى أن «كثيراً من إجراءات الرقابة هذه لم تثبت أي تغير نوعي، فعلى سبيل المثال، نعلم أن السجون هي من بين أهم مراكز التطرف، وبالتالي فإن سجن أي قادم من سوريا لن يؤدي إلا إلى نتيجة عكسية». ويعتقد مسؤول رفيع المستوى في إدارة مكافحة الإرهاب في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن الإجراءات الوقائية المشددة قد لا تكون مضمونة بالكامل. ويشرح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أنه «من السهل نوعاً ما السفر إلى الخارج والعودة دون جواز سفر بالنسبة للإرهابيين، وذلك عبر اللجوء إلى شبكات تهريب». وبالنسبة للمسؤول؛ يكمن التحدي في «بقاء عمليات مكافحة الإرهاب متكافئة ودون تمييز» و«في معرفة أن الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر متطرفة ليسوا بالضرورة إرهابيين». ويصف حرية التعبير ب «أمر شائك»، مشيراً إلى وجوب أن تكون عتبة البلوغ إلى درجة تجريم حرية التعبير مرتفعة جداً. وفي وقت يتخوف فيه كثيرون على حقوقهم وحرياتهم؛ فإن واحدة من الأمهات على الأقل تعتقد بعدم كفاية الإجراءات المتخذة. وعَمِدَت والدة أحد المراهقين الشهر الجاري إلى رفع دعوى قضائية على الحكومة الفرنسية لفشلها في منع ابنها من الانضمام إلى المقاتلين في سوريا. وتقول الوالدة الفرنسية إنه كان على الأجهزة الأمنية في المطار توقيف ابنها البالغ من العمر 16 عاماً الذي لم يكن يحمل أي أمتعة ولديه تذكرة ذهاب فقط إلى تركيا. ويكمن الخوف الأساسي لدى الحكومات الأوروبية في عودة هؤلاء المقاتلين من مناطق النزاع مع خبرة قتالية واسعة لشن هجمات على الأراضي الأوروبية. وفي تقرير حديث؛ حذرت الاستخبارات البريطانية من أن عدد البريطانيين الذين تدرَّبوا ك «إرهابيين» بات أكثر من أي وقت مضى، كما أن أكثر من نصف المواطنين ال 700 الذين توجهوا إلى سوريا عادوا إلى البلاد. وجاء في التقرير أن «التهديد الذي تشكله عودتهم لا يقتصر على التخطيط لهجمات بل يكمن أيضاً في جذب شركائهم نحو التطرف وفي تيسير العمل وجمع التبرعات». ويرى كثيرون أن التحدي الأساسي لا يكمن فقط في جمع المعلومات بل في دراستها وفي التعاون مع دول أخرى. وترى الباحثة في معهد الإصلاح الأوروبي، كامينو مورتيرا مارتينيز، أن «أنظمة تبادل المعلومات موجودة ولكن لا يتم استخدامها دائماً». وتلاحظ أن هناك دولاً عدة في أوروبا «لا تثق في بعضها بالضرورة، فالاستخبارات البريطانية قد لا تزود رومانيا بالمعلومات لأنها تتخوف من الفساد ومن تسريب تلك المعلومات». ومن بين المواضيع الشائكة؛ نظام تبادل المعلومات حول ركاب الطائرات، إذ تم توقيف العمل به منذ عام 2011 بسبب خصوصية البيانات. وبالرغم من أن 15 دولة من أصل 28 في الاتحاد الأوروبي اعتمدت على أنظمة تبادل معلومات خاصة بها ومصممة على شكل اتفاقات موجودة حالياً مع الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا، فإن البرلمان الأوروبي يصر على ضرورة تبني قوانين لحماية البيانات قبل أن تتَّبِع دول القارة كلها السياسة ذاتها. وتقول مورتيرا مارتينيز «إذا كان الإرهابيون أذكياء قليلاً فإنهم يستطيعون إيجاد ثغرات في هذه القوانين». وتوضح أنه «بالنظر إلى أن الوكالات الاستخبارية داخل البلد ذاته تجد صعوبة في تبادل المعلومات فيما بينها، فمن الممكن أن نتخيل ترددهم في مشاركة تلك المعلومات مع يوروبول (شرطة الاتحاد الأوروبي) أو أي أجهزة دولية أخرى». وتخلُص بالقول إن «الأجهزة الاستخبارية ليست بالضرورة منفتحة على الآخرين».