سرت باتجاه البوصلة شمالاً، ورمت بي الأقدار جنوباً وتعبت من طرق أبواب الغرب. وهنا أعود إلى “الشرق” فلعلها تكون بداية الخير والطرح الإنساني، ولم لا؟ وفارسها قينان الغامدي، ويعاونه كوكبة من الفرسان. “فاقد وطن” مسلسل لكائن يعيش بينكم أيها السيدات والسادة، له عينان ولسان وشفتان، وقلب ينبض، وخلجات، ويصلي كما تصلون، مخلوق من تراب، والفرق به عنكم، أنه يغسل وجهه في الصباح الباكر بدموعه المالحة. تصفح جريدة “الشرق” ووجد ملامح قلوب رحيمة، ورسالة خالدة، واستأنس بشعارها، ورأى أن الشرق هو بداية اليوم والإنسان والطير والشجر والحجر. هذا أنا محدثكم عبدالله بن عوض الأسود العنزي، من المملكة العربية السعودية، ولدت هكذا، وعشت هكذا، مع خالي الذي قام بتربيتي على الطريقة الإسلامية، من الوريد إلى الوريد.لاكتشف سر الخلطة العجيبة بأنني يتيم !. وجدت من يمسح على رأسي، ولكن ب “العقال” رمز الكرامة والشهامة والرجولة! ولبراءتي كنت أظن أن أبي سيعود بعد فاصل من الغياب، ولأن والدي توفي في الصحراء، وأنا في السنة السادسة من العمر، لم أدرك ملامحه و مزاجه واسمه وحلاوته، ولأن الصحراء لا تعطي أصحابها أوراقا ثبوتية، فزع لي “خالي” وعمل عملته ال”مهببة” حيث تملكني بصك ولاية من المحكمة الشرعية، وسجلني “أخيه” بنمرة واستمارة، واستخرج لي شهادة الميلاد، التي أصبحت شهادة إعدام لكل أحلامي وطموحي، وأدخلني الصف الأول الابتدائي، وعشت كما يريد هو، لا كما أريد أنا، رغم أنني وقتها لا أعلم ماذا أريد! كبرت أيها السيدات والسادة، واكتشفت الحقيقة المرة بأنني لست محدثكم “ابن عوض” بل “ابن مطلق”!. وكان بإمكاني المشي على هذا السيناريو المرعب للخال والمحكمة الشرعية التابعة لوزارة العدل في مدينة الأحساء، ودخول الوسط البشري بشخصية واحدة ودون مشكلات درامية، وبقيت على اسم ونسب الوالد المفترض الذي اختاروه لي “عوض الأسود العنزي” وبقيت أحصل على كل ما أريد، من سوق العمل بالمداهنة والتصنع، ومتنازلا سراً عن أبي الحقيقي “مطلق شتيوي العنزي” ومتعايشا مع هذا التيار الهوائي القوي برعاية المحكمة الشرعية التي رمت بي في دوامة تخلو من المصداقية وتشبه الثقب الأسود الذي أحرق قلبي الأبيض. ولكن رفضت الاستمرار ووضعت خطاً أحمر، بل كل الخطوط الحمراء تحت هذه القصة التي أصبحت كالفيلم أو المسلسل الدرامي الذي لست وحدي بطله بل أولادي ولا أقول هم الضحية بل هم الأبطال السبعة الذين سوف يكملون حلقاته. ومن سوء الحظ، ظهرت لجنة تصحيح الأوضاع، وتعديل الأسماء “اللجنة المركزية لحفائظ النفوس” وتقدمت إليهم و أخبرتهم بأنني عبدالله بن مطلق شتيوي العنزي، توفي والدي ونسبني خالي إلى عائلته، عندما كنت صغيراً لا أدرك ولا أعي، وحضر الخال وتنازل عني للوطن الغالي، واستكملت أوراقي بشهادة الشهود وشيخ الفخذ والقبيلة وقالوا “رأيت خيراً” معاملتك تحت الإجراء!! وعندما كنت لوحدي كان الأمر يسيراً، ولكن أنا الآن أصبحت رب أسرة وأطفالا سبعة حائرين تائهين مشردين في مملكة الإنسانية وزوجة تحمل بطاقة الهوية الوطنية!. ومازالت معاملتي تحت الإجراء منذ (22) عاماً وأنا من مواليد الرياض بشهادة ميلاد، وأنتمي لفخذ العرفا من قبيلة السبعة، من عنزة، وهذا موثق بكامل الأوراق الثبوتية. ختاماً أيها السيدات والسادة، أنا أعيش الآن فوق “السطوح” وأفتقد أبسط متطلبات الحياة في الشارع والمدارس والمستشفيات، بسبب هذه المعاناة الإنسانية في بلاد الحرمين والحب والكرامة، صوتي خفت، فهل تساعدوني و”تشيلون الصوت عالياً” عسى أن يسمع أحد معاناتي؟ أكون عاجزاً لو شكرتكم فقط!