الصدمة التي أحدثتها قضية حمزة كشغري عنيفة في أكثر من مستوى، فهي صدمة من تغريداته في تويتر التي أساء فيها الأدب مع مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأساء فيها إلى مشاعر المسلمين، مثلما أساء إلى معنى الحرية التي تغدو عدواناً حين تؤدي إلى إلحاق أدنى أذى بالآخرين. وهي صدمة في ردود الفعل تجاهه والتي اتخذت في وجهتها الطاغية طابعاً تفتيشياً، يُضْمِر أن هناك الكثير ممن رضي بإساءته ولم يكترث بتعديها على مقام النبوة الكريم، ويستدل على هذه الكثرة بصمت الصامتين عن المطالبة بعقوبة مغلَّظة تجاهه، وبمطالبة الداعين – وفق أدلة شرعية – إلى التسامح معه وتأديبه برفق ورحمة قصْداً إلى استصلاحه. لكن الأكثر لفتاً للنظر هو استغلال هذه الفرصة لمواصلة العراك من جديد، بوقود أكثر اشتعالاً، ضد الصحافة والكتَّاب والثقافة والمثقفين ووزارة الثقافة والإعلام والأندية الأدبية والصالونات والقنوات الفضائية والجنادرية ومعارض الكتاب... إلخ. وذلك لأن جامعها المشترك وهو فعل الثقافة والإعلام لا يكف عن إعلان الحاجة إلى الحرية التي لا يستطيع الفعل الإعلامي أن يمارس مهنيته، ولا تستطيع الثقافة أن تعبِّر وتفكر وتبدع في غيابها. وقد بدت صفة حمزة كشغري المتداولة أنه صحفي، وكاتب بجريدة البلاد، وعلى علاقة بمقهى جسور الثقافي... إلخ، وغدت تلك الصفة رابط علاقة اقتضت التفتيش عن من لهم صلة به، وامتدت تلك الصلة إلى صلات افتراضية وصلات مناسَبَة ينبغي ألا تفوت الفرصة دون اهتبالها. ولم يكن ذلك مقطوعاً، بل كان موصولاً أشد صلة بالاتهام للصحافة والأندية والفعاليات الثقافية – الذي قويت أسباب الحاجة إليه بفعل المناسبة – بأنها في أيدي العلمانيين وأن ضيوفها والمدعوين إليها والمستكتَبين فيها، يتساقون الماء في الصفة نفسها مع القائمين عليها. هكذا يغدو حمزة ضحية لحسابات لا تقف عند تغريداته المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بل تتعداها إلى تصفية حساب حزبي وإيديولوجي بالغ المشاحة والاستقطاب ومنذر بعنف لا يعرف إلى الرحمة سبيلاً!. وهو عنف بدا في شكل اتهام مصوَّب إلى الجميع، فحمزة – من هذه الوجهة – ليس فرداً أخطأ وإنما هو تيار فكري مختبئ في صمت الصامتين فضلاً عن دفاع المدافعين عن حمزة. ولهذا – وفي هذه الوجهة أيضاً – فليس للمرء براءة من هذه التهمة أن يستغفر الله تعالى ويدعو بالهدى والرشاد لكل الضالين، وليس له براءة أن يقر بإساءة حمزة وعدوانه وأنه في حاجة إلى من يحاكمه بعطف ويناصحه بالتي هي أحسن خصوصاً بعد أن أعلن توبته وصرخ بندمه. إن البراءة من التهمة – وفق هذه الوجهة – ليست إلا أن تطالب بقتل حمزة! أما الصدمة التي أظهرتها القضية في مستوى محايث لذلك كله فهي أن من أبناء وطننا – للأسف – من يقترف تحقير المواطن في دينه ووطنيته وإنسانيته باتهام عنصره الإنساني ولونه ونِسْبة أصْله. وهناك – في الأقل – شخصيتان معروفتان – ودعك من العوام – تداولت المواقع قولهما السوء الذي يطعن في ضميرهما الديني والوطني والإنساني تجاه حمزة.