عذرا حيدر لم أستطع أن أبكيك.. فالبكاء في مقتلك لن يتطاول إلى هامتك.. ولن يتسامى إلى مقام الطفولة.. ولن يليق بروحك التي لم تعرف الدنس. عذرا حيدر فالبكاء مهمة صعبة في حالتك.. في حضرتك. إحساسي بالخيبة، بالخذلان، بقلة الحيلة، بوزر الصمت.. كل ذلك يمنعني من البكاء.. يتحول إلى حاجز يقف في وجه دموعي، خصوصا وأنا أرى من يحاول تبرير قتلك، بعد أن حرّض على كرهك. ابني حيدر: ستقول لي إنك لا تفهم ماذا يعني الإقصاء والتحريض على الكراهية.. ستقول لي إنك لا تفهم ماذا تعني مصطلحات كالروافض والنواصب والصفويين والسلفيين والمجوس وعملاء إيران.. بالمناسبة: هل تعرف أين تقع إيران يا حيدر؟!.. أقصد هل تعرف الجهة التي تقبع فيها؟!.. أم أنك لا تعرف بعد معنى الجهات؟!.. ربما لم تدرس في روضتك ماذا يعني الشمال والجنوب، الشرق والغرب.. كل ما تعرفه يا حبيبي يقع خارج نطاق الكراهية التي حصدتك.. خارج نطاق الطائفية التي لم تسمع عنها. هل تعلم يا حيدر أن بعض دعاة الحداثة حمّلوا جهات خارجية مسؤولية دمك دون أن يستنكروا مقتلك.. الحداثة يا حيدر تعني أن الإنسان هو مركز الكون، تعني أن الإنسان ثابت أما الأفكار فلا قداسة لها، حتى الحقائق العلمية يمكن أن يكون بعضها متغيرا.. أحد كبار الحداثيين يا حيدر لم يوجعه مقتلك، كفر بحداثته عند مدخل شرايينك.. هناك.. عند بوابة أوردتك، خلع عنه حداثته وحول مقتلك إلى فرصة لتصفية حساباته مع قوى إقليمية لا تعرف أنت عنها شيئا!.. أكان لا بد لدمك يا حيدر أن يسيل لنعرف كم كنا جميعا، مسؤولين؟!.. مسؤولين بالتحريض، بالتعاطف مع التحريض، بتحويل وسائل التواصل الحديثة، إلى ألغام محملة بالكراهية والحقد والرغبة في الانتقام والاستبشار بأخبار الدم! عشرات آلاف المقاطع تداولناها عبر «الواتساب»، دفعت أنت ثمنها من لحمك الحي.. لماذا؟.. هل كان عليك أن تدفع ثمن الجهل والطائفية والجنون والغرائزية، حيث انخفض مستوى الوجود من الحالة الإنسانية إلى حالة دون ذلك بكثير؟!.. هل كان عليك أن تدفع ثمن من يرسل «البرودكاستات» ليحرض أو يشوه أو يخاطب نزعة القتل، أو يسخر ليمارس تعاليا يطمئنه إلى أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن غيره يعيش في الضلال والانحراف.. بل والكفر أيضا؟! ترى يا حيدر كم عدد الذين شاركوا في قتلك وهم لا يشعرون؟.. منذ جريمة الدالوة كتبت محذرا أولئك الذين خاضوا في الدم دون أن يشعروا، فهل أحسَّ أحدٌ بذلك، وهل توقف أيُّ عددٍ من الناس، مهما كان صغيرا، عن استقبال وإعادة إرسال ذلك القرف الطائفي، حتى لا يشاركوا في دمك ودم أمثالك؟! ابني حيدر: فتشت عبر الإنترنت عن صورك.. لماذا تصوب عينيك في جميع تلك الصور نحوي.. نحونا؟!.. لماذا كنت تحرص على النظر مباشرة في عيني الكاميرا؟!.. هل تريد أن تدينني؟.. تجلدني بسياط تلك النظرة؟!.. أنا أيضا يا حيدر عندي بنت وابن، صحيح أنهما أكبر منك، لكنهما مستهدفان مثلك تماما. صدقني يا حيدر أن المستهدف ليس شخصك، وإنما جيلك بأكمله.. المستهدف هو المستقبل. الغاية هي دم الجميع، فاليوم صوت عشاق الدم، صار هو الأعلى.. والدم يا حيدر لا عقيدة له، لكن عقيدة الطائفي هي الدم.. فهل تعي الفرق يا حيدر؟! أعرفُ يا حيدر أنك لم تفهم معظم ما كتبته، وأعرف أيضا أنك لم تفهم لماذا قتلوك؟ سأقولها لك يا حيدر: من قتلك يريد لنا أن نتحول إلى سوريا أو عراق آخر، فهل تعرف ما هي سوريا وما هي العراق؟! لن أبكيك يا حيدر حتى يحاسب هؤلاء.