في أواخر مارس من عام 2011م؛ وجه أحد الفضلاء سؤالاً للملك سلمان – حفظه الله – قبل توليه الحكم جاء فيه: (نرى المؤسسة الإعلامية قصَّرت في بيان هذا المنهج – يعني المنهج الذي تقوم عليه الدولة- ولم تُحصِّن الشباب من المؤثرات الضارة في عقيدتهم أو أخلاقهم، بل إن من الصحفيين والكتاب – ولا أعمم الكل – من يكتب ما يضاد هذا المنهج، إما في صورة خبر ما، أو في صورة رأي ما، أو في صورة قصة ما، والأمثلة على هذا كثيرة، والمقترح – يا صاحب السمو- تقويم مسار الإعلام ليتفق مع منهج الدولة، فما هو الحل في رأي سموكم المكرم، لتقويم مسار الإعلام ليقوم بهذه المهمة – وفقكم الله -) فأجاب الملك على هذا السؤال بقوله: (أعتقد أن الحل الطبيعي – كما قلت في إحدى المرات-، الدولة هذي التزامها بعقيدتها، ذكرتُه أنا و ذكرتَه أنت، لكني أقول إن الإعلام إذا قصر فلنلفت نظره، وأقول إذا كُتِبَ شيء يخالف المصلحة أو العقيدة فعند طلبة العلم ومفكرينا الفرصة للرد عليهم، وسبق أن قلت قبل ها المرة في أحد تصريحاتي إذا كان الذي كتب ينقد ومعه حق في نقده، فأنا آخذ به وأشكره عليه، وإذا كان جانبه الصواب، فأعطاني الفرصة للرد عليه، إذن نتبع هذا الأسلوب، يمكن ها الأسلوب يحقق شيء، والحمد لله محد يمنع طلبة العلم عندنا من الرد في أي جهاز من أجهزة الإعلام). تذكرت هذا النقاش الراقي وأنا أرى ردود الفعل الواسعة على مقال الكاتبة حصة آل شيخ في جريدة الرياض: (معتقل الوفاء التراثي النسوي)، فوددت لو أن منهجنا في النقاش قائم على الحوار والمحاججة، لا التحريض والملاججة، وألا نقابل كل فكرة لا تروق لنا بفتوى انتحارية، فالمتابع لردود الفعل على هذا المقال سيُصدَمُ من تساهل بعضهم في مسألة التكفير، وسيكتشف أن بعضاً من الذين يدَّعون أنهم سلفيون هم أبعد الناس عن منهج السلف، ذلك المنهج الذي يقول أحد أتباعه: (لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا لقلت: ربما سُكبت عليه، و لو وجدته واقفًا على جبل يقول: أنا ربكم الأعلى، لقلت لعله يقرأ الآية)!، كما أن تلك الردود تحدثت في كل شيء، ودعت إلى أي شيء عدا مناقشة الفكرة، فقائل بإيقاف الكاتبة ومحاسبتها، وقائل بإيقاف الصحيفة ومساءلة رئيس تحريرها، بل وصل الحد ببعضهم أن كفَّر الكاتبة، ودعا إلى إقامة الحد عليها!، وفي رأيي أن ردود الفعل على هذا المقال تصلح أن تكون أنموذجاً لما اعتاد بعض الناس عليه من الخلط بين الخصومة المبدئية والخصومة الشخصية، وما دأبت عليه أطراف الصراع الفكري في السعودية من تهييج الأتباع على المخالفين، واستعداء السلطة عليهم، فإنه مع اختلافي مع الكاتبة في كثير من أجزاء المقال، وتحفظي على مبالغتها في التعصب للمرأة ونقد التراث، وبغض النظر عن أسلوبها المستفز، وعباراتها القاسية، إلا أن كلامها ليس فيه ما يدعو إلى تكفيرها والتحريض عليها، فهي لم تنكر عدة المرأة، ولم ترد صريح القرآن الكريم في هذه المسألة، وليس المقصود بنقد التراث هو أن نأخذ من الشرع ما يناسب أذواقنا أو يرضي الآخرين كما يعتقد بعضهم، بل إن تنقيته من الشوائب والأباطيل والأكاذيب ضرورة وهي أكبر ما يمكن أن يُخدمَ به الشرع، فالمقدس هو القرآن الكريم وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما سوى ذلك يؤخَذ منه ويُرد!، ولا أعتقد أن منصفاً قرأ المقال بفهم وتجرد سيصل إلى هذا الاستنتاج الذي وصل إليه بعض إخواننا، لكن كثيرين منهم أخذهم الحماس فهاجموا الكاتبة وحشدوا الناس ضدها ثم كفروها!، مع أن أغلبهم لم يقرأوا المقال أو قرأوه ولم يفهموه، معتمدين في أحكامهم على عبارات مجتزأة من المقال نقلها بعض (الثقات) لهم، أو لعلهم اكتفوا بما وُضِع تحته خط من المقال ليتوصلوا إلى هذه النتيجة!، فالكاتبة تقول: (هذا التشريع الذكوري الذي طوق به التراث وما زال أعناق النساء فسجنَّ أنفسهن بأنفسهن، يكذبه القرآن الكريم، فالحكمة الوحيدة لعددية العدة (العدة وليست الحبس) هو التأكد من خلو الرحم، (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً) يتربصن: أي ينتظرن فلا يتزوجن، بدليل (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ولو وضعت بنفس يوم موت زوجها…).. ومن الواضح أن مشكلة الكاتبة في تفسير معنى العدة، لا أصل العدة، كما صوره بعض الناس لأتباعهم من أجل الحشد ضد الكاتبة والتحريض عليها، بل إن قولها يكاد يكون منطبقاً مع قول سابق للشيخ عبدالله المطلق – حفظه الله – حين قال: (بعض الناس يعتقدون أن المحاد تسجن)، ثم فصَّل في الموضوع بما يدعو إلى عدم التشدد في الدين، منكراً على الذين يتعبدون الله بالشدة!. فيا له من أمر مرعب أن يحدد للمجتمع معايير الصلاح والفساد، والإيمان والكفر مجموعة من المتشددين، فيكون التفكير أخطر من التكفير، والرأي أخطر من التفجير، والتحريض على القتل وجهة نظر!.