ترمب يتحدث عن وجود تزوير في فيلادلفيا.. والمدعي العام ينفي    «المالية»: 309 مليارات ريال إيرادات ميزانية الربع الثالث.. و«غير النفطية» تصعد 6 %    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    ازدهار متجدد    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    الفحوصات الطبية تحدد موقف لودي من لقاء الاتفاق    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    أمير الشرقية يستعرض استراتيجية محمية الملك عبدالعزيز    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    همسات في آذان بعض الأزواج    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    كلمات تُعيد الروح    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشويقي وتكفير الجابري
نشر في عاجل يوم 22 - 07 - 2013

ابتداء لابد من شكر الشيخ الجليل البراك ، والمفكر الكبير الجابري ، والأستاذ الفاضل الشويقي على إشعال هذا الحوار الممتع ؛ فأنا مسرور جدا بهذا الحوار ؛ إذ نحن بأمس الحاجة للحوار، والنقد ، والتعود على وجود الآراء المختلفة لمعالجة التأزم الموجود في مجتمعنا تجاه المخالفين لنا ؛ إذ مجتمعنا تعود على تقبل الآراء التي تطرح دون مناقشة أو نقد .
وأبدأ سجالي بلفتة طريفة جدا ؛ فقد بلغ رد الأستاذ الشويقي 4261 كلمة أي 17 صفحة ، منها 3265 كلمة - أي ثلاثة أرباع المقال - كتبها بناء على سوء فهم منه لكلامي أو لكلام الجابري ، وقد اندهشت - والله – لذلك ، وصدمت ، وجعلني أعيد النظر في تقييم كل ما طرح الأستاذ الشويقي في سجالاته السابقة مع غيري ؛ خوفا من أن تكون كلها كتبت بناء على سوء فهم لكلام محاوره .
وأجزم أن غالب القراء سيشاركني الدهشة إذا قارن رده بردي الأول ، ويستطيع قراءة ردي في مقالاتي في ( عاجل http://www.burnews.com/articles.php?action=show&id=1913) .
واندهشت أيضا بل صدمت إذ تبين لي أن الأستاذ الفاضل الشويقي – مع تخصصه في العقيدة – قرر تقعيدا مخيفا للتكفير لم يسبق إليه ، وما ظننت أنه يقع فيه ، وسأبينه في نهاية المقال .
ومجمل ما أثاره في رده الأخير تسع قضايا ، ست منها بناها على سوء الفهم ، وسأوردها وأختم بخاتمتين ، و نصيحة .
ونبدأ بالقضيتين الأولى والثانية .
+++++++++++++++++++++
القضية الأولى والثانية :
اتهمني بأني تراجعت ، وأنني استحي من الإقرار بالخطأ ؛ حيث قال عن كلامي في مقالي الأخير مقارنا له بتعقيبي على فتوى الشيخ البراك قال : : ((إننا أمامَ تغيرٍ جذريٍّ في رأي الأستاذ الضحيان ، فبالأمسِ: (الجابريُّ لم يخرج عن منهج العلماء) ، واليوم صار الجابريُّ (مخالفاً للرؤية المجمعَ عليها عند أهل السنة)) ، وقال أيضا ((أما الكلام المدوَّن في كتاب الجابريِّ، فالأستاذ الضحيان إلى الآن لم يدرك مغزاه، ولم يزل يحسبه مطابقاً وموافقاً لما ذكره العلماء، )) انتهى كلام الشويقي .
وبناء على ظنه الخاطئ أني تراجعت ، وأني استحي من إعلان تراجعي أطال في تحرير الكلام يبين أني لم افهم كلام الجابري .
وواضح أن أخانا الفاضل الأستاذ الشويقي عاد لطريقته المفضلة في الكتابة ؛ وذلك بالتدليس وإيهام القارئ الساذج الغافل البسيط أني اكتشفت خطئي ، واستكبرت عن الإقرار به ، وإذ أردنا أن نحسن الظن به فنقول: إن أخانا الكريم الشويقي أتي من قبل سوء الفهم فجمع بين قضيتين، وظن أني أتحدث عن قضية واحدة .
و من الطرائف هنا أن الشويقي دندن كثيرا ، وأعاد كثيرا حكاية أني لم افهم كلام الجابري ، وأوردها على سبيل التهكم واللمز ، وما علم أنه هو الذي لم يفهم كلام الجابري ، ولم يفهم كلامي أيضا ؛ فوقع بغرائب طريفة في الفهم سنذكرها لاحقا ؛ وما ذاك إلا لأن كل همه إثبات أن الجابري يقول بنقص القرآن ، فركب الصعب والذلول بالتهويل ، والتضخيم ، وتكثير الكلام .
وإليك الآن توضيح التدليس أو اللبس الذي وقع فيه الأستاذ الشويقي ؛ قوله عني ((إننا أمامَ تغيرٍ جذريٍّ في رأي الأستاذ.الضحيان ، فبالأمسِ: (الجابريُّ لم يخرج عن منهج العلماء) ، واليوم : صار الجابريُّ (مخالفاً للرؤية المجمعَ عليها عند أهل السنة)) .
ليعلم الأستاذ الشويقي والأخوة المتحمسون أن ليس هناك تراجع، بل الكلام هنا في قضيتين :
القضية الأولى هي : هل قال الجابري بنقص القرآن كما أفتى الشيخ البراك وكما يؤكد الأستاذ الفاضل الشويقي ؟
هذه لم يقل بها ، وكل ما أوردوه لا يقوم دليلا على ذلك ، وكلام الجابري لم يخرج عن كلام العلماء كما قلت في تعقيبي على فتوى الشيخ البراك : (( والجابري لم يخرج عن منهج العلماء الذين تحدثوا عن جمع القرآن وإيراد الروايات في ذلك كما صنع السيوطي في ( الإتقان ) والزركشي في ( البرهان ) )).
والقضية الثانية هي : قول الجابري (( بعدم وجود أدلة قطعية على حدوث نقص أو زيادة في القرآن )) أي هناك أدلة ظنية ، هذه هي التي قلت عنها في مقالي : إن الجابري ((مخالف للرؤية المجمعَ عليها عند أهل السنة )) ، ومع أن هذا القول من الجابري خطأ كبير مخالف لإجماع أهل السنة، إلا أنه - لا شك - أخف من الجزم بالنقص .
وغالب ( ضع كلمة غالب بين قوسين ) ما دندن حوله الشويقي ، وأكثر من تسويده ونقل من كلام الجابري إنما هو حول القضية الثانية ، وكل هذا النقل والتسويد والتهويل واستحلاب عواطف القراء لا قيمة له إطلاقا في رده علي ؛ لماذا ؟
لأني ببساطة أتفق معه فيه ، وقد قلت في مقالتي السابقة بالحرف الواحد : إن الجابري (( يخالف الرؤية المجمع عليها عند أهل السنة بقوله : بأنه ليس هناك دليل قاطع على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن ؛ لأن من قام بجمعه ليس معصوما ، ... ولا شك أن قوله هذا من وجهة النظر الشرعية خطأ كبير وقصارى القول فيه أنه شبهة تنتقد على الجابري ، ويٌرد عليه بأسلوب علمي محكم بعيد عن الإثارة وتحشيد العوام واستعدائهم ، والتهويل بالفتاوى واتهام النيات)) .
إذن فلا معنى إطلاقا لتسويد الأستاذ الشويقي صفحات في إثبات هذا سوى التدليس ، والتمويه ، وتكثير الكلام بخلط القضيتين ، وإيهام القارئ البسيط الساذج ، و إذا أحسنا الظن فالأستاذ الكريم أتي من سوء فهمه لكلام الجابري فخلط بين قضيتين وظنهما قضية واحدة .
وأما القضية الأولى وهي :هل تبنى الجابري القول بنقص القرآن ؟
فقد ناقشتها في مقالي السابق ؛ ولأن الشويقي أعاد القول فيها هنا فأنا مضطر لمناقشتها بشكل موجز ، ويستطيع القاري العودة لمقالي السابق في ( عاجل ) لزيادة التوضيح ، فأقول :
لم يستطع أن يجد الأستاذ الشويقي ما يمكن أن يدل على أن الجابري يقول بنقص القرآن إلا قوله في آخر كلامه ((ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه، زمن عثمان أو قبل ذلك، فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين، وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذُكر في مصادرنا)) .
هذا هو أقوى الأدلة التي أوردوها ، ويجب أن أضع القارئ في الصورة فأوجز ما قاله الجابري في المبحث كله حتى نصل إلى هذه الكلمة التي ختم بها كلامه .
عقد الجابري مبحثا بعنوان ( رابعا الزيادة والنقصان في القرآن ) بدأه بالإشارة إلى الجدال الدائر بين المستشرقين وعلماء الإسلام ، وبين الشيعة والسنة ، ثم ذكر أن ذلك لا يدخل في الموضوع الذي سيتحدث عنه حيث قال (( ما بهمنا هنا هو ما يتصل بمسألة (جمع القرآن ) أعني ما يدخل في نطاق السؤال التالي : هل المصحف الإمام – الذي جمع زمن عثمان والذي بين أيدينا الآن يضم القرآن كله ،جميع ما نزل من آيات وسور أم انه سقط ( أو رفعت ) منه أشياء حين جمعه ؟ )) ، ثم أورد النصوص المروية في كتب الحديث وعلوم القرآن التي تتحدث عن سقوط بعض الآيات ، ثم ختم المبحث بقوله (( هذا ويعلل بعض علماء الإسلام من أهل السنة ظاهرة سقوط آيات من القرآن ( أي في الراويات التي ذكرها ) بكونها داخلة في معنى النسخ ، غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ ، وقالوا : إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلى خبر الآحاد ، والقرآن لا يثبت بها ، وإنما يثبت بالتواتر )) ، ثم ذكر قول بعض علماء الشيعة كالنوري الطبرسي وإثباته للتحريف والنقص في القران في كتابيه ورد عليه ، ثم تحدث عن أن ما ذكر في المصادر السنية فيه إشكال ، وحصر الإشكال في القرآن المدني وحده ، ثم ضيق دائرة الإشكال بأن السقط المذكور في المصادر لحق سورتين فقط هما سورة الأحزاب وسورة التوبة ؛ أما سورة التوبة فتحدث عما ورد من روايات في ما سقط منها ، ثم ناقش ذلك وأورده بصورة الشك وذلك بقوله (( إذا كان هناك سقوط بالفعل )) .
وإما سورة الأحزاب فأورد الروايات والنصوص التي عرضتها في مقالي السابق وناقشها ، ورد كل ما قيل إنه سقط فيها ، وقد أورت دفاعه عن سورة الأحزاب في مقالي السابق في ( موقع عاجل ) إلا آية واحدة وهي ما رواه عمر بن الخطاب (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما .. الآية )) وهي الآية الوحيدة التي يفهم من كلامه أنها سقطت من القرآن ، ومن المعلوم أن علماء أهل السنة يرون أنها مما نسخت برفع لفظها وبقاء معناها ، وهو يفسر النسخ بتفسير آخر، وقد كتب في معنى النسخ في القرآن مقالا تجده في موقعه ، و مفهوم كلامه أنه يرى أنها مما لم يضعه الصحابة في القرآن لعدم تواترها عن النبي ، والدليل على رؤيته هذه أنه لو كان يرى أنها سقطت من القرآن سهوا لنص على ذلك ، ولكن بفهم من كلامه أن الصحابة أسقطوها قصدا لا سهوا لعدم تواترها ، والدليل على ذلك أنه قال قبل إيراده روايات السقط (( هذا ويعلل بعض علماء الإسلام من أهل السنة ظاهرة سقوط آيات من القرآن ( أي في الراويات التي ذكرها ) بكونها داخلة في معنى النسخ، غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ ، وقالوا إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلى خبر الآحاد والقرآن لا يثبت بها وإنما يثبت بالتواتر )) / المدخل : ص 226 ، وسكوته عن رد هذا القول تعبير عن موافقته لذلك ؛ لأن طريقته أنه لا يترك قولا لا يتفق معه إلا ناقشه ورده كما صنع في آراء علماء الشيعة ؛ فبعد إيرادها ناقشها وردها .
بعد هذا العرض نستطيع أن نفهم ما يقصد بكلمة ( بعض ) التي ختم بها الجابري كلامه ، واستدل بها الأخوة على قوله بالنقص ، قال الجابري (( ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه، زمن عثمان أو قبل ذلك، فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين، وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذُكر في مصادرنا))
هنا يشير إلى الروايات التي تنص على وجود نقص خلال الجمع ؛ فبعض من النقص تداركه الصحابة ووضعوه في المصحف ؛ كما ورد في آخر سورة التوبة – وهو الذي أشار إليه في نصه - وبعض منه تركوه قصدا ، ولم يضعوه في المصحف ؛ لأنه غير متواتر ، وإذا ثبت وجود( بعض ) تداركوه ، و(بعض) تركوه ؛ فهو دليل عنده على إمكانية أن يكون هناك آيات لم يتداركوها ، وسقطت لأنهم غير معصومين ، وكل هذا يؤيد ما قلته إن الجابري يرى جواز أن يكون هناك نقص ، لكنه لا يجزم بوجود نقص وفرق بينهما ، طبعا لاشك بأن هذا القول خطأ كبير من الجابري ومخالف لإجماع أهل السنة ويرد على الجابري بعلم مع الترفق بغية الحق لا الاستعلاء والاستعداء .
بقي الآن أن نورد أدلة طريفة عجيبة غريبة أوردها الأستاذ الفاضل الشويقي للدلالة على أن الجابري يقول بنقص القرآن .
وهي في مجملها تمحل لا معنى له إلا المحاولة المستميتة من الأستاذ الفاضل لإثبات أن الجابري يقول بنقص القرآن ، وإذا أحسنا الظن نقول إنه من سوء فهم الأستاذ لدلالات الكلام ، من ذلك :
أولا : ذكر الأستاذ أن الجابري لم يحصر القول باحتمال النقص في سورتي الأحزاب وبراءة بل كان يعجب بأن روايات النقصان لم تأتِ إلا في هاتين السورتين من القرآن المدني، مع أن احتمالَ النقصان يتطرق لغيرهما أكثر مما يتطرقُ لهما. مستدلا بقول الجابري : (( لم يُذكَر قطُّ أن الحذفَ طالَ شيئاً ينتمي إلى القرآن المكي، مع العلمِ أن إمكانيةَ سقوطِ آياتٍ أو سورٍ كانت أكثر احتمالاً في القرآن المكي منها في القرآن المدني، نظراً للظروف القاسية التي عاناها الرسول والمسلمون في مكةَ قبلَ الهجرةِ، ونظراً لأن ظروفَ الانتقال بالقرآن المكي إلى المدينة بعد الهجرة، وقبل فتح مكة كان يتم في ظروفٍ بالغة الصعوبة\"اه.
ثم علق على كلام الجابري بكلام طريف جدا ؛ حيث قال :
((وكما هو ظاهرٌ فكلامُ الجابريِّ بعيدٌ كل البعدِ عما نقله لنا الأستاذ. لن أقولَ هنا إن الأستاذ بتر وقطع، أو موَّه وخدع، لكني أقول من جديدٍ: إن رغبته في الدفاعِ والذب عن الجابريِّ هي التي حالت بينه وبين فهم مثل هذا النص الصارخِ المشكك ))
قلت : بل رغبة الأستاذ الفاضل الشويقي المحمومة لإثبات أن الجابري يقول بنقص القرآن أوقعته بسوء الفهم مرة ثانية لهذا الكلام الرائع ، ولو قال هذا الكلام سلفي ممن يتفق فكريا مع الأستاذ بندر لكان قمة الدفاع عن القرآن عند الشويقي ؛ لأن معنى كلام الجابري ؛ أنه إذا لم ينقل لنا قط أن الحذف والسقط حدث في القرآن المكي - واحتمال السقط فيه وارد لظروفه القاسية - فإن ما نقل لنا من سقط في القرآن المدنى من باب أولى الشك فيه ، وكأن لسان حال الجابري قول الشاعر :
إذا محاسني اللائي أدل بها ..... أضحت مساوي قل لي كيف أعتذر
ثانيا : استدل الأستاذ الشويقي بدليل طريف آخر ساقه ليدلل على أن الجابري يقول بنقص القرآن ؛ فقد علق على العنوان الذي وضعه الجابري للمبحث وهو ( الزيادة والنقصان في القرآن ) ودلل على خبث مقصده من وضع هذا العنوان ؛ فقال ((و هو المبحث الذي خصَّصه لمناقشة احتمالات كمال النصِّ القرآني ونقصانه، فكانَ الجابريُّ ينقلُ تحت هذا العنوان القبيح أقوالاً للعلماء لا علاقةَ لها بما يتحدثُ عنه!)) .
قلت : معلقا على كلام الشويقي : هذا من التمحل لا أقل ولا أكثر ، و رغبة الشويقي المحمومة لإثبات تهمة القول بنقص القرآن على الجابري جعله يقع بهذا التمحل الغريب ؛ وقد مارس التدليس وصور أن الجابري ذكر روايات العلماء فقط تحت هذا العنوان ، وإلا فالجابري عرض في هذا المبحث ما يعبر عن العنوان الذي وضعه أدق التعبير، ويكفي أن ثلث المبحث كان حديثا عن قول بعض علماء الشيعة بنقص القرآن ، فقد أورد آراءهم ورد عليها، وأورد في المبحث أيضا الرواية التي تروى عن عمر رضي الله عنه (( لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها )) يقصد آية الرجم ؛ أي أنه تحدث عن ما قيل من زيادة ونقص ، فلا معنى للتشنيع على هذا العنوان سوى التمحل المحض ، وتكثير الأدلة على أن الجابري يقول بنقص القرآن .
ثالثا : استدل بدليل طريف ثالث ساقه إليه تمحله وسوء فهمه للمرة الرابعة ، قال الشويقي ((وليتَ الأستاذ يتأمل في حقيقةِ أن الجابريَّ لم يتحدث فقط عن احتمالات وقوعِ نقصٍ وسقطٍ، بل إنه تحدث –أيضاً- عن احتمالِ وقوع زيادة في النصِّ القرآن، كما نقل ذلك عنه الدكتور الضحيان. فإذا كان هذا رأيَ الجابريِّ، فهل من الممكنِ أن يكونَ من مذهبه أن الصحابةَ لم يكونوا يقبلون إلا المتواتر؟! فالذي لا يقبلُ إلا المتواترَ، كيف سيقع منه زيادةٌ في النص القرآني؟ )) انتهى كلام الشويقي .
قلت : بل هذا الكلام من الجابري دليل قوي على استحالة الزيادة في القرآن لماذا ؟
نورد هنا الكلمة التي أشار إليها الأستاذ الشويقي ، قال الجابري : (( ليس ثمة أدلة قاطعة على حدوث زيادة أو نقصان في القرآن )) و مفهوم قول الجابري هنا أنه هناك أدلة ظنية على حدوث الزيادة ، وإذا قوبلت هذه الأدلة الظنية بوجود الزيادة باشتراطه التواتر في كتابة الآية في القرآن - ودلالة التواتر قطعية كما هو معلوم - سقطت هذه الدلالة الظنية وانتفى وجود زيادة في القرآن .
++++++++++++++++
القضية الثالثة :
قال عني إني أطلت الكلام في ((مناقب الجابريِّ وفضله على أهل الإسلام)) .
لن أقول هنا إن الأستاذ الفاضل تعمد الكذب علي ، بل أقول : أتي من سوء فهمه للمرة الخامسة ؛ وذلك أني لم أكتب حرفا واحدا في تفضيل الجابري على الشيخ البراك .
الذي قلته بالحرف الواحد هو (( ومع ما لدى الجابري من أخطاء في المنهج والأفكار والمعلومات وغيرها – شأنه شأن كل عالم ومفكر وكاتب – إلا أني أعتقد جازما أنه خدم الإسلام بإنتاجه وكتبه أكثر مما خدمه الشيخ الجليل البراك)) .
ويبدو أن الأستاذ الفاضل يظن أن هناك تلازما بين خدمة الإسلام والفضل، ولا تلازم بينهما ؛ فقد يخدم الكافر أو الفاسق أو المسلم العامي الإسلام بعمل من الأعمال- وإن لم يقصد - أكثر من خدمة بعض العلماء . والمستشرقون المسيحيون الذين وضعوا المعجم المفهرس لألفاظ الحديث خدموا الإسلام أكثر من بعض علماء الحديث ، ويكفي هنا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )) .
ويلاحظ هنا أن الشويقي قال (( أطال الحديث عن مناقب الجابري وفضله على أهل الإسلام )) .
ومفهوم المخالفة هنا أن الجابري ليس من أهل الإسلام ،
فهل الشويقي يكفر الجابري ؟ هذا ما سنتحدث عنه في فقرة مستقلة لا حقا .
+++++++++++++++++++++
القضية الرابعة :
أساء الأستاذ الفهم للمرة السادسة – ولا حول ولا قوة إلا بالله - حيث قال ((الدكتور سليمان الضحيان –سلمه الله- بعدما وافقَ على أن الجابريَّ لا يقطعُ بسلامة النص القرآني، حاولَ تلطيفَ قولِ الجابريِّ فذكر أنه لا يمكنُ الاحتجاجُ عليه بالإجماعِ، لأنه لا يؤمن بحجيةِ الإجماعِ. كما ذكر أنه لا يمكنُ الاحتجاجُ عليه بآية (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، لأن للجابريِّ رأياً في معنى الآيةِ وافقه عليه فلانٌ وفلانٌ.)) ،.
قلت : هنا أساء الفهم أو وقع في تلبيس قبيح جدا لكلامي ؛ أنا لم اقل : لا يمكن الاحتجاج عليه ، ولم ألطف كلامه بل قلت : إذا احتج عليه بالإجماع قال : أنه لا يؤمن بالإجماع في هذه المسألة ، وفرق بين أن أقول : إنه لا يمكن أن يرد عليه بالإجماع ، أو إنه هو لا يؤمن بالإجماع في هذه المسألة ، وقلت إن قوله شبهة يرد عليه ، وشيخ الإسلام حاول أن يجد عذرا لشبهة أعظم من شبهة الجابري ، وذلك أن الهروي الأنصاري قال بوحدة الوجود تقريبا فبحث له ابن تيمية عن مخرج ، ومثله صنع ابن القيم في المدارج .
+++++++++++++++++
القضية الخامسة :
قال ((و على أي حالٍ، فسواءٌ قال الجابريُّ بحصول النقصان في كتاب الله، أو قال بجواز حصوله، فكلا القولين ضلالٌ مبينٌ، ومنازعةٌ في ضروري من ضروريات الدين. ومجاملةُ من يقول بهذا الزيغِ مما يقشعرُّ له جلدُ المؤمن بالله المعظِّمِ لكتابه، إلا أن الأستاذ له منهجٌ وسطيٌّ خاصٌّ لا يرى في قولِ الجابريِّ ما يوجب التحذيرَ منه..)) انتهى كلامه .
قلت : أنا هنا مضطر هنا – وليسمح لي الأستاذ الفاضل الشويقي – أن أقول إن هذا افتراء عليًّ ، وتهويلا على القراء البسطاء السذج واستحلاب لمشاعرهم لا أقل ولا أكثر بذكر اقشعرار الأبدان ، أما أنا فبحمد الله ومنته وتوفيقه فقد التزمت الأسلوب الشرعي في الإنكار؛ فإني قد وضحت خطأه ، وبيت أنه يرد عليه ، ولم أجامله كما زعم الأستاذ الكريم – غفر الله له - فقد قلت بالحرف الواحد ((ولا شك أن قوله هذا من وجهة النظر الشرعية خطأ كبير وقصارى القول فيه أنه شبهة تنتقد على الجابري ، ويٌرد عليه بأسلوب علمي محكم بعيد عن الإثارة وتحشيد العوام واستعدائهم ، والتهويل بالفتاوى واتهام النيات .)) .
وأود أن أذكر القارئ هنا أني في مقالي السابق( انظر إليه في موقع عاجل ) أوضحت مصدر الشبهة التي دفعت الجابري إلى هذا الزلل الكبير وأدلته على شبهته , ثم بعد ذلك طالبت بالرد على الجابري بأسلوب علمي محكم دون التهويل وإشراك العوام ، لكن الأستاذ الفاضل يأبى إلا التهويل والتشنيع عليًّ ، والاستنجاد بالقراء البسطاء .
والذي اعتقده أن الذين استفتوا البراك ، والشيخ البراك - مع مقصده الحسن في الذب عن كتاب الله – والأستاذ الشويقي وقعوا في خطأ كبير بإثارة هذا الموضوع الخطير عند العوام ، وساهموا من حيث لا يشعرون بإشاعة الشبه ؛ إذ سارع الكثيرون لشراء الكتاب ونفذ من المعرض ، وكان المفترض أن يكون الرد على الجابري بأسلوب علمي هادئ ، بعيدا عما حصل من تهويل، ونشر فتوى قصيرة لم تصنع عند كثيرين إلا دفعهم للإطلاع على كلام الجابري وغير الجابري في هذا الموضوع الشائك ، وصدق عليهم قول ابن مسعود (( كم من مريد للخير لم يوفق إليه )) .
+++++++++++++++++++++++++++
القضية السادسة :
تحدث الأستاذ عن رؤية الجابري لقصص القرآن ، وقال ((وقد مرَّ الأستاذُ على هذه المقولة مروراً عابراً أشارَ فيه إلى أن هذا الرأي سبقَ أن أثار ضجةً حين قال به محمد أحمد خلف الله )) .
كذا قال ، ولا أدري لماذا بتر كلامي فقد قلت ((وهو القول الذي قال به من قبله محمد خلف الله وأثار ضجة كبيرة في مصر وصلت إلى حد تكفيره )) هنا حذف من كلامي (( وصلت إلى حد تكفيره )) ، واضح أن الأستاذ الفاضل يحاول أن يوهم القارئ أني أهون من رأي الجابري فاقتصر على قول ( أثار ضجة ) .
وبهذه المناسبة أرى الأستاذ يجمجم ، ولا يبين في حكمه على الجابري ، لماذا لا يتشجع ويقول رأيه الصريح .
فما رأيه بكلام الطنطاوي ؟
وما الفرق بين قول محمد أحمد خلف الله والجابري ومن قال بالمجاز وعدم الحقيقة في صفات الله ؟
هل الحكم واحد ؟
وما موقف العلماء من قولهم ؟
+++++++++++++++++++++++++
القضية السابعة :
أساء الفهم الأستاذ الشويقي للمرة السابعة فظن أني فرحت بكلام الجابري حينما قال ( إن الإسلام دين ودولة ) ، ونسبته إلى أنه يرى تحكيم الشريعة كما يقول به الإسلاميون ؛ وبناء على سوء الفهم منه أطال الكلام ليدلِّل على أن الجابري يرى تقديم المصلحة على النص ، وأنه يبطل الحدود لأنها غير مناسبة للعصر .
وكل ما قاله وأطال فيه الأستاذ الفاضل الشويقي لم يأت فيه بجديد ؛ فقد سبق أن قلته ، ويكفي أني انتقدت الجابري في مقالتي نفسها التي يرد عليها الشويقي ، حيث قلت : (( إن نقدي له ( أي للجابري ) يأخذ مسارين المسار الأول منهجي ... ، والمسار الثاني : نقد علمي إذ إن الجابري كثيرا ما يقع في أخطاء علمية فادحة ويبني عليها نتائج كبيرة ... ومن ذلك رأيه في كيفية تطبيق الشريعة وذلك بدعوته إلى تبني تقديم المصلحة على النص إذا تعارضت المصلحة مع النص مستدلا على ذلك بإجماع الفقهاء على ذلك ، والحق أن القول بذلك انفرد به الفقيه الحنبلي الطوفي وعُد رأيا شاذا)) .
فما الجديد الذي أضافه الشويقي ؟!!
طبعا هذا أنموذج على فهم الأستاذ .
وأما مسألة إبطال الحدود ، وميراث المرأة ؛ فقد سبق أن كتبت نقدا له في مجلة المجلة منذ تسع سنوات بعنوان ( حقوق الله أم حقوق الإنسان ) ، وفيه زيادة على ما ذكر الأستاذ نقد له على رؤيته لشهادة المرأة ، كل ذلك قبل أن يسمع غالب طلبة العلم السلفيين باسم الجابري فضلا عن أن يكتشفوا هذه الأخطاء التي ذكرها الأستاذ عنده ، وكل من له إطلاع تافه على كلام الجابري في كتبه (الديمقراطية وحقوق الإنسان) و( الدين والدولة وتطبيق الشريعة ) ، و( مسألة الهوية ) ، و( حوار المشرق والمغرب ) وغيرها يعرف هذا .
++++++++++++++++++++++++
القضية الثامنة:
أساء الفهم الأستاذ الشويقي للمرة الثامنة فحينما أوردت أن الجابري يوافق السلفيين في بعض رؤاهم حول الأشاعرة، فهم الشويقي كلامي فهما غريبا طريفا عجيبا أقرب للفانتازيا ؛ حيث ظن أني بهذا أقول: إن الجابري يرى طريقة السلف وبتمثلها.
وبناء على هذا الفهم الطريف جدا والمضحك ؛ بدأ الشويقي يدلل على بعد الجابري عن فهم السلف وطريقة السلف ، وأن الأشاعرة أقرب منه للسلف ، وأورد المعلومة المشهورة عن قولهم عن أنفسهم ( إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم ) .
وأزيده أيضا أن ابن خلدون سبق الجابري بالتنبيه على تأثر متأخري الأشاعرة بالفلسفة .
ولا أظن أن عاقلا قرأ كتب الجابري ، فضلا عن طالب علم يقول إن الجابري يتبع طريقة السلف ، أو أنه قريب من منهج السلف .
وفي الوقت نفسه لا أظن أن قارئا مبتدئا قرأ مقالي يمكن أن يفهم منه أنني أقول : إن الجابري يتبع طريقة السلف .
وأنا مندهش جدا من فهم الشويقي هذا !!
ولا أدري من أين له هذا الفهم ؟
وقد قلت بعد إيرادي تلك الأقوال مباشرة في مقالي السابق : إن الجابري ليس مفكرا إسلامي ، وأورد هنا كلامي بنصه ، قلت : ((فهل معنى هذا أن الجابري مفكر إسلامي ؟ إطلاقا الجابري ليس مفكرا إسلاميا ، وهو نفسه يرفض تصنيفه بذلك )) .
وأي قارئ مبتدئ سيفهم هذا ، وهنا أتساءل بدهشة :
كيف فهم الأستاذ الشويقي من كلامي أني أنسبه إلى التمثل بفهم السلف ؟!، كيف أنفي عنه الإطار الكبير ( التوجه الإسلامي ) ثم أدخله في توجه أضيق ( التوجه السلفي ) ؟!!!!!!!!!!! .
ما زلت مصدوما ومندهشا من فهم الأستاذ الفاضل !! .
وهذا الفهم من الأستاذ يوضح الطريقة العميقة في فهم الأستاذ لما يقرأ ، ثم نقده ، وإصدار أحكام كبيرة على صاحبه يترتب عليها أوصاف عظيمة ، ومخيفة .
ولا بأس أن أوضح هنا للأستاذ الشويقي – وليس للقارئ - لماذا أوردت أقواله التي وافق فيها السلفيين مثل قوله عن الجهمية ، والصوفية ، وقوله عن الأشاعرة إنهم يخالفون طريقة السلف وغيرها من الرؤى ؟
وأقواله التي خالف فيها جمهور المفكرين العرب المؤثرين في الساحة كقوله :إن الإسلام دين ودوله ؟ .
لقد أوردتها لأقابل بها الأوصاف الشنيعة التي أطلقها عليه الأخوة المستفتون ، والشيخ البراك ، والأستاذ الشويقي ، وذلك لأدلل على أنه أكثر المثقفين العرب اعتدالا في رؤيته ، وقربا من الإسلاميين، و إنصافا للسلفيين ، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، ومع هذا فقد شنع عليه أولئك الأخوة ، وحاولوا تأليب الناس عليه .
وكان المفترض أن يبينوا خطأه ، و يردوا عليه بعلم ، وعدل ،وعبارة هادئة .
وقد اتبعت بصنيعي هذا المنهج الشرعي في النقد – بحمد الله وحسن توفيقه – فبينت ما للجابري ، ثم أوضحت ما عليه بنقده منهجيا وعلميا ( انظر مقالي السابق في موقع عاجل ) .
++++++++++++++++++++
القضية التاسعة:
خالفني الأستاذ الفاضل في قولي : إن الجابري خدم الإسلام أكثر مما خدمه الشيخ الجليل البراك .
ولا شك أن هذا من حق الأستاذ أن يخالفني فيه ، وذلك أن بيننا خلافا عميقا في طريقة الموازنة ، الأستاذ الفاضل الشويقي يختصر خدمة الإسلام بخدمة التوجه السلفي والسلفيين .
وأنا أرى الإسلام أعم من ذلك بكثير؛ فالسلفيون جزء من المسلمين ، أما الإسلام بمعناه الواسع فلا مجال للمقارنة بين الرجلين أصلا ، فضلا أن يقال : إن الشيخ البراك خدم الإسلام أكثر، فالمسلمون أعم من السلفيين بكثير .
فأين تأثير الشيخ البراك على المثقفين ، والمفكرين ،والعلمانيين ، والقوميين ، والدارسين في تاريخ الحضارة ، والفكر العربي ، وتاريخ التراث من غير السلفيين ؟ .
و أين تأثيره في الأشاعرة ، والماتريدية ، والزيدية ، والأباضية ؟ .
وكم عدد الذين قرؤوا للشيخ البراك ، أو يعرفونه ، أو سمعوا به ، فضلا أن يكونوا تأثروا به ، أو أفادهم في العالم العربي كله ؟ .
وكم عدد الكتب التي ترجمت له ؟ ومن من المثقفين الغربيين قرؤوا ما ترجم له ؟ .
ثم أين مؤلفات الشيخ البراك وكتبه ؟ وأين شروحه ، ومختصراته ؟ .
بل أين فتاويه الكثيرة المحررة المؤصلة في العبادات والمعاملات ، والقضايا الاجتماعية ؟.
بل أين ردوده العلمية العميقة المحكمة المفصلة على الفرق المخالفة للتوجه السلفي ؟ .
وأين أطروحاته التأصيلية العميقة المفصلة لبيان العقيدة ، وشرحها ؟ . وأين جهوده العلمية العميقة في الرد على العلمانيين والفلاسفة والملاحدة والباطنية ؟ .
وأين جهوده في تبيان ما أشكل من مسائل العقيدة كضوابط التكفير والتبديع ؟ .
تقييم الرجال لا يكون بالعاطفة ، وتدين الإنسان ، وإخلاصه ، وزهده ، وورعه ، وتقواه ، وسنه لا يشفع لمحبيه أن يرفعوه أكثر من قدره .
وصنيع الأستاذ الفاضل يقع فيه كثير من المتدينين حيث يختصرون العالم بمن يتفق معهم في التوجه ، ويغالون في مدحه ، وهضم جهد غيره من المخالفين لهم ، وهذا بلا شك تحجير واسع ، وقلة إنصاف للآخرين ، وغفلة عن الآيات والأحاديث التي تحث على العدل والإنصاف ، وابتعاد عن المنهج الشرعي الصحيح في الحكم على الناس ، أسأل الله الهداية للجميع وإرجاعهم للحق ، وتبصيرهم بالمنهج الشرعي العدل في الحكم على الناس
++++++++++++++++++++++++++++++++
خاتمتان
الخاتمة الأولى : كلام الجابري في المحاضرة
لا ينقضي عجبي من الإصرار العجيب الغريب المستميت من الأستاذ الفاضل الشويقي لإثبات أن الجابري يقول بنقص القرآن ، خاصة بعد أن سمع محاضرته ؛ لأنه أورد مقطعا منها في رده ، وهو قوله 0 (الحمام يغني والكلاب تنبح ) ؛ وكما هي عادة الشويقي في فهم الكلام ؛ فقد فهم من كلام الجابري أنه يقصد المعترضين عليه في قوله في القرآن ، وكلام الجابري كان يقصد به جورج طرابيشي .
نرجع إلى محاضرة الجابري ؛ لقد أبان الجابري عن رأيه في المحاضرة ، فقد غضب الجابري جدا ممن نسب إليه هذا القول ، فقد ذكر حديث عائشة ثم رده ، وذكر أن بعض الناس يحتج به على نقصان القرآن فقال :
(( بعض الناس يقلون القرآن نقص ، أنا أجبت عن هذا ، قلت القرآن كان محفوظا في الصدور أكثر من المصاحف ، والمصحف من التصحيف أي يمكن أن تزيد فيها وتمحو ، أما الصدور وما فيها فلا ، ... ثم كيف نحتاج إلى هذا كله بعد أربعة عشر قرنا من أنه المصحف الإمام الذي جمع باتفاق الصحابة ولم يطعن فيه أحد ، وعلي كرم الله وجهه قال : لو كنت مكان عثمان لفعلت الذي فعل )) .
وكان الأولى بالأستاذ الشفقة على أخيه المسلم ، ولأن يخطى في حكمه على أخيه – هذا إن كان مازال يرى أنه أخ له - بأنه لا يقول بذلك أولى بأن يخطئ بنسبة هذا القول الشنيع له ؛إذ الأصل في المسلم البراءة .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++
الخاتمة الثانية : هل كفَّر الشويقي الجابري ؟
إذا تجاوزنا الخلاف في مسالة هل قال الجابري بنقص القرآن أو لا ؟ فثمة مسألتان اتفقت أنا الشويقي على أن الجابري قال بهما ، وهما :
المسألة الأولى من الخاتمة
( أن قصص القرآن من باب ضرب المثل وليس حقيقة ) ، هذه لم يجزم الشويقي- كما يظهر - بكفر الجابري بهذا القول ، فالمفهوم من كلام الشويقي أن هذا القول كفر ، وإن لم يكفر من قال به ، أقول هذا إحسانا للظن بالأستاذ الفاضل ، وإن كان موقفه غامضا ؛ خاصة أنه أورد قول الطنطاوي ، (( لو قال هذا الكلام معتقداً به أبو بكرٍ وعمرَ (وحاشاهما)، لكفر به أبو بكرٍ وعمرَ، وصارا أبا جهلٍ وأبا لهبٍ )) . ، وقاله مستحسنا له ، ولم يعقب عليه بشيء .
وكما هي عادته بدأ بالكلام العاطفي ، وكان المفترض أن يكون شجاعا ، و يترك الكلام العاطفي ، ويبين رأيه الذي يدين الله به فيمن قال بهذا القول – وهو المتخصص بالعقيدة - ولا يختبئ خلف أقوال غيره ، وهنا أسأله ليجيب بعلم :
هل يكفر الجابري بهذا القول بعد أن يبلغه النقد الموجه له ويصر عليه ؟ بل قد بلغه النقد لأنه صرح بأنه قرأ النقد الموجه لمحمد أحمد خلف الله ؟
و ما رأيه بكلام الطنطاوي ؟.
وما الفرق بين قول محمد أحمد خلف الله والجابري ، ومن قال بالمجاز وعدم الحقيقة في صفات الله الواردة في القرآن الكريم ؟
هل الحكم واحد ؟
وما موقف العلماء من قولهم ؟ .
++++++++++++++++++++++++++++++++
المسألة الثانية من الخاتمة :
قول الجابري (( بأنه لا دليل قطعي على النقص أو الزيادة في القرآن )) أي هناك أدلة ظنية .
وقد كفَّر الشويقي الجابري بهذا القول ؛ لأنه حكم أنه خالف معلوما من الدين بالضرورة ، ولم يخالف الإجماع فقط ، وعاب عليَّ قولي (( إن الجابري خالف إجماع أهل السنة بهذا القول )) ، ونسبني إلي الجهل بعدم التفريق بين مسائل الإجماع ، وما علم من الدين بالضرورة ، ومن بدهيات العلم الشرعي أن من أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وهو عالم ، وانتقدت عليه هذه المخالفة ، وأصر فهو كافر ، والجابري عالم وقد انتقد ، وبلغه النقد ، وأصر فهو - بلا شك - كافر باعتقاد الشويقي ، وهذا ما يفسر قوله قبل ذلك: (( وفضله على أهل الإسلام )) ، وكان المفترض من الشويقي أن يفصح عن رأيه ، وألا تأخذه في الله لومة لائم .
ولا شك أن هذه جرأة عظيمة تقشعر منها الأبدان ، و لم أتوقع ممن هو متخصص بالعقيدة أن يقع بمثل هذه الزلة العظيمة ؛ والمخيف هنا هذا المنهج البدعي في التكفير الذي يقرره المتخصص بالعقيدة ، وهو النص على أن لوازم ما علم من الدين بالضرورة هي نفسها من المعلوم من الدين بالضرورة ، ولا أعلم أنه سبقه أحد إلى هذا التأصيل الشنيع الفاسد الخطير .
فأي باب للتكفير فتحه الأستاذ الشويقي- المتخصص بالعقيدة - بهذا التقرير الفاسد المخيف ؟!!
خاصة أنه يعلم قوة الشبهة في هذا القول الذي قاله الجابري ، واعتماده في تفسير قوله تعالى ( وإنا له لحافظون ) على تفسير ابن السائب ومقاتل من السلف ، ووجود روايات كثيرة بالسقط موهمة تحمل قارئها على التشكيك بوجود الإجماع أصلا فضلا عن القول بأنه معلوم من الدين بالضرورة ، وإذا لم تكن مثل هذه الشبهة القوية صارفة عن تكفيره أو تكفير أمثاله ، فليس هناك أي صارف عن تكفير من تلبس بما هو أشنع من قوله .
وإن زعم الأستاذ الشويقي أنه لا يكفر الجابري ، فليتفضل – وهو المتخصص بالعقيدة –
بتبيان حد المعلوم من الدين بالضرورة ؟
وهل يدخل فيها لوازم الأقوال القطعية المجمع على قطعيتها ؟
وما ضابط القطعي الذي يحكم على منكره بأنه منكر ما علم من الدين بالضرورة ؟
و ما حكم من أنكر معلوما من الدين بالضرورة ؛ أو أنكر أحد لوازم ما علم من الدين بالضرورة ، وهو عالم وليس بجاهل ،؟
وهل يعذر فيه من تأول ؟
وإذا قيل يعذر فما حد التأول المعذور به ؟
وهل يكفي البلاغ بإقامة الحجة على منكر الضروري ؟
وما الحكم عليه بعد إصراره على الإنكار بعد البلاغ ؟
وهل دلالة قوله تعالى ( وإنا له لحافظون ) قطعية على الحفظ ؟
وما يراه فيمن قال إن دلالته ظنية ؟
وما موقفه من تفسير ابن السائب ومقاتل لهذه الآية ؟
وكيف يفسر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( لولا أن يقول الناس زاد عمر في القرآن لوضعتها فيه )) يعني آية الرجم ؟ .
لقد ركب الأستاذ الفاضل مركبا وعرا ، وأصَّل للتكفير تأصيلا مخيفا لم يسبق إليه ، وكان المفترض به أن يكون له في العلماء الكبار قدوة فقد التمس شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم الأعذار للهروي ، وقوله أشنع من كلام الجابري بكثير ، وأبو حامد الغزالي وقع بطوام عظام ، ومن بعده الآمدي ، والرازي وهم علماء في الشريعة ، فرأينا كبار العلماء يلتمسون لهم الأعذار في وقت كانت الأمة الإسلامية لها الكلمة العليا، وللشريعة السيادة على العالم الإسلامي كله ، فكيف بمفكر ليس بعالم في الشريعة قال ذلك متأولا في زمن لا سيادة للشريعة في كثير من بلاد المسلمين ؟!! .
+++++++++++++++++++++++++++++
نصيحة
وننهي الكلام بنصيحة أخوية للأخوة المتحمسين فأقول :
إن خطأ الجابري بقوله بإمكان النقص في القرآن ، وكذلك لو ثبت – جدلا – جزمه بالقول بالنقص يقتضي فقه الإنكار من الأستاذ كتمان ذلك ، وعدم المسارعة بإشاعته ؛ بل كتابة رد علمي محكم ، يظل تداوله في أواسط طلبة العلم ، والمثقفين الذين يقرؤون كتب الجابري ، وإذا كانت حجة الأخوة أن كلامه انتشر في منتديات اللادينيين ، وهجر ، والأقباط .
فكم مقال كتب فيه في تلك المنتديات ؟.
وكم عدد الذين قرؤوها ؟!
وكم عدد الذين اقتنعوا بكلامه ؟ .
وماذا عن بلدنا هذا ؟ ؛ فهذه المنتديات محجوبة فيه .
والآن بعد الفتوى انتشر الكلام عن قول الجابري في منتديات السعوديين ، وأصبح يقرؤه الكبير والصغير ، والجاهل والمتعلم ، ونفذ كتابه من الأسواق ، والكتب التراثية التي اعتمد عليها الجابري فيها من الأقوال والروايات روايات مشكلة تزل في فهمها الأقدام ، وأحد الزملاء من الدكاترة بعد إثارة هذه الضجة ذهب وقرأ تلك الروايات ، وقال : لقد أصبت بالصدمة فهذه أول مرة أعرف أن هناك مثل هذه الروايات المخيفة .
إذن نحن أحوج ما نكون لتعلم فقه الإنكار؛ متى يكون ؟
وعلى من يكون ؟
وما درجات المنكر ؟
وتنوع مقامات المنكر عليهم ؟
وبأي أسلوب يكون الإنكار؟
وكيف نعمل قواعد المصلحة والمفسدة في الإنكار ؟
وأنصح أولئك الأخوة المتحمسين بالاهتمام بهذا العلم إن كان مرادهم النصح والتبليغ والذب عن دين الله حقا .
وصلى الله على حبيبنا المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين
د سليمان الضحيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.