رغم أن الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني جاء نتيجة مفاوضات طويلة وشاقة، ورغم أن خبر إعلان توقيعه كان منتظراً منذ مدة. إلا أن ذلك الإعلان كان له وقع المفاجأة والصدمة على دول المنطقة. لم يكن أكثر المتابعين تفاولاً يتوقع أن تتوصل إيرانوالولاياتالمتحدة إلى اتفاق نهائي وسط أجواء مشحونة بالتصريحات المستفزة وتمسك لا تراجع عنه بالمشروع النووي، فضلاً عن الألاعيب السياسية التي تمارسها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن في تحد واضح للسياسات الأمريكية بشكل عام. فكيف يجتمع أن تتصالح أمريكا مع إيران التي تهدد دول الخليج علناً عبر مسؤوليها وقنواتها الرسمية وفي نفس الوقت تعلن التزامها بأمن وسلامة تلك الدول ضد أي تهديد؟ لكي نفهم ذلك التناقض علينا أن نعود قليلاً للماضي ونتأمل حقيقة العلاقة «الإيرانية – الأمريكية» في العمق لندرك أنها كانت دوماً أكثر دفئاً وحميمية بكثير مما تبدو في الظاهر. فإيران منذ عهد الشاه ظلت درة ثمينة في التاج البريطاني لما تحويه أرضها من كنوز النفط، ونافس الأمريكيون على شيء من ذلك الكنز بعد الحرب العالمية الثانية والانقلاب الذي دعموه على حكومة مصدق لصالح الشاه. وبلغت العلاقة من الحميمية أن الرئيس الأمريكي كارتر كان يحتفل بالكريسماس في ضيافة الشاه في إيران قبل قيام الثورة بأشهر قليلة. تلك العلاقة الحميمية توترت بعد ثورة الخميني واحتلال السفارة الأمريكية في طهران وأزمة الرهائن الشهيرة، لكن تلك العلاقة التي قُطعت علناً سرعان ما عادت للدفء سراً بعد نشوب الحرب العراقيةالإيرانية حيث ذكر تقرير برلماني شهير يعرف باسم تقرير تاور أن لجنة الأمن القومي الأمريكي اجتمعت في البيت الأبيض بعد قيام الحرب العراقيةالإيرانية لتحدد سياستها في التعامل مع إيران، وخلص الاجتماع أنه ليس من مصلحة الولاياتالمتحدة أن تفقد إيران بلا رجعة وأنه إذا استمرت إيران تخوض الحرب بدون مصدر للسلاح فإنها ستخسر سريعاً وقد تتفكك مما يؤدي لسيطرة العراق على المنطقة وعلى منابع النفط الإيرانية مما قد يهدد أمن إسرائيل. ونتج عن ذلك الاجتماع عدة قرارات مهمة منها فتح خط اتصال مباشر بين واشنطنوطهران ومساهمة المخابرات الأمريكية في تمويل الجيش الإيراني بالسلاح ولإخفاء الدعم ومصدر السلاح عن الكونجرس لجأت المخابرات الأمريكية إلى إسرائيل لتقوم بتمويل إيران بصواريخ ومدافع إسرائيلية الصنع بتمويل من السي آي أيه التي لزيادة التمويه أعلنت أنها تشتري ذلك السلاح لصالح ثوار الكونترا في نيكاراغوا في حين كانت تشحنه للجيش الإيراني ليستخدمه في صد التقدم العراقي في أراضيه. وبعدها بسنوات تسرب الخبر للصحافة وعرف بفضيحة «إيران-كونترا». لقد كانت أمريكا تمول إيران بالسلاح في أوج الأزمة السياسية ضدها في الثمانينات وعندما كانت طهران تسمي أمريكا الشيطان الأكبر ويدعو ملاليها للجهاد ضد إسرائيل وهم يستقبلون شحنات السلاح الإسرائيلي. ترى ما الذي يجري الآن تحت الطاولة بين إيرانوأمريكا وإسرائيل للترتيب لمستقبل المنطقة في ظل اتفاق تعاون صريح ومعلن؟ ألا يحق لدول الخليج أن تشعر بالقلق؟