قد يتساءل بعضهم حول العنوان فيقول كيف! وهو من اسمه مستقبل؟! نعم؛ عندما نستطيع ونحن في الواقع الحاضر أن نرسم ونخطط لمستقبلنا ونضع الاستراتيجيات الملائمة لصنع مستقبل أفضل في قضية ما، وهذا ما ظهرت بوادره في علم منظم محدد الأطر والأبعاد والنظريات. وهو ما يسمى بعلم: استشراف المستقبل، وهذا العلم يعنى بالأحداث والتغيرات في المجتمعات، لمحاولة توقع مستقبليات بديلة ممكنة التحقق، فهو يهدف إلى التطلع إلى المستقبل من خلال دراسة الماضي وفهم الحاضر. وهذا العلم ليس علما حادثاً بل ظهر منذ زمن بعيد، ولكن لم يتبلور بشكل كبير إلا في هذا العصر، بعد تطور البحث العلمي الحديث، والثورة المعلوماتية الضخمة. ويعد الاهتمام بهذا العلم سمة من سمات المجتمع المتقدم الذي يسعى للنهضة والتطوير والتغيير والتقدم، لأن المجتمع الذي لا يقدر على رسم خطوات المستقبل سيغوص في هموم الحاضر، وسينحصر في ثقافة الماضي، ومن ثم سيكون التأخر حليفه. فالإنسان بفطرته التي فطرها الله عليها يتطلع لاستكشاف الجديد والبحث عن المبتكر المفيد، ويطمح للسبق والابتكار، مما يدل على عدم عجز الفرد بالنهوض، فهو يمتلك الأدوات التي وهبها الله إليه، لكن بمزيد من العناية بهذا العلم سيتحقق الجديد. وأصبحت الحاجة للدراسات المستقبلية ضرورة ملحة في هذا العصر، فالدراسات المستقبلية مجال مفتوح لتخصّصات متنوعة، فكل ميادين الحياة المختلفة تحتاج إلى تنمية مستدامة وتطوير مثمر بما يناسب العصر وتطلعاته، حتى يتحقق الإصلاح العام الذي ينهض بالأمة الإسلامية على كافة الأصعدة. وهذا الإصلاح لا يتأتى إلا بالاهتمام العميق بعلم الاستشراف ووضع خطط استراتيجية رائدة، وتهيئة الكوادر والطاقات، حتى يؤتي هذا المشروع نتائجه المأمولة. وإن كانت الدراسات الاستشرافية في العالم العربي قليلة وتتسم بالطابع التنظيري، إلا أنها رياح مبشرة بهبوب دراسات حديثة في استشراف قضايا متفرقة، ومن المؤشرات التي تدل على ذلك: تزايد أعداد العلماء والباحثين المشتغلين بالدراسات المستقبلية في الجامعات ومراكز البحوث المختلفة، وظهور عديد من المراكز والهيئات العلمية والمعاهد المتخصّصة في الدراسات المستقبلية، وانتشار الجمعيات والروابط والمنظّمات المعنية بالدراسات المستقبلية. ومن المتوقع أن الاستشراف المستقبلي سيصبح أكثر أهمية ونشاطاً مما هو عليه اليوم، خصوصاً عندما تكون هناك مرجعيات مستقبلية لصانع القرار، واقتراح مجموعة متنوعة من الطرق الممكنة لحلّ المشكلات، وزيادة درجة حرية الاختيار وصياغة الأهداف، وابتكار الوسائل لبلوغها، وتحسين قدرة صانع القرار على التأثير في المستقبل.