تتلوَّن الأمنيات في دواخلنا، وتتشكَّل الرغبات، كلٌ يرسم لوحة أمنياته حسب شخصيته وميوله وتطلّعاته، فتمتزج الألوان، وتخرج إلينا لوحةً تنضح بالرغبات والأمنيات، فالطفل يتمنَّى ويُعبّر عما يصبو إليه بطريقته، والشاب يتمنَّى أيضاً و يسعى للوصول لما يتمناه، وكذلك الشابة التي غالباً ما تُفضي إلى أمنياتها ورغباتها بصعوبةٍ بالغةٍ في مجتمعنا، أما رغبات وأمنيات الوالدين، فهي مضاعفة حتماً مضافاً إليها أمنياتهما لأولادهما و بناتهما، وعلى قمة هرم أمنياتهما مشروع الزواج للأبناء، فالأب يتمنى أن يزوّج أبناءه و بناته، والأم تدعو ليل نهار بالنصيب الأفضل لأبنائها و بناتها. وهذه الأمنية تحديداً، عاملٌ مشتركٌ بين كل الآباء والأمهات، وأود أن أبعث بسؤالٍ لكل أبٍ ولكل أمٍ: عندما تتمنون الزواج لبناتكم، هل طرحتم على أنفسكم سؤالاً مهماً وهو: هل ابنتنا مهيأة لأن تكون زوجة ؟ هل ابنتنا مهيأة لأن تكون أماً؟ هل ابنتنا صالحة لأن تدير أسرة و تقود جيلاً ؟ هل ابنتنا لديها ثقافة التعامل مع الزوج و ثقافة الاقتراب منه و تقليص أيّ مسافةٍ على اعتبار وجود المسافات المؤكدة عطفاً على العادات والتقاليد التي نقبع خلف أسوارها؟. وأطرح ذات الأسئلة على الفتاة، صاحبة الشأن، وأضيف عليها: هل فكّرتِ في قراءة كتابٍ واحدٍ عن الحياة الزوجية وأسرارها قبل الخوض في غمارها؟ أو كتاب عن التربية أو كتاب عن نفسية الطفل؟ هل عاهدتِ نفسك بأن تدخلي رحلة التنقيب عما يرضي زوجك و يُدخل البهجة و السرور إلى نفسه؟ تُرى ما مفهوم الزواج عند معظم الفتيات؟ «دبلةٌ» في إصبع اليد، تتباهى بها فترةً من الوقت بين قريناتها في المدرسة أو الكلية، وتشعر بأنها نالت الأفضلية لأن هناك شاب قد اختارها وتقدّم لها دون الكثيرمن الفتيات؟ ويصبح هذا الأمر مدعاةً للتعالي والتفاخر، ويسبب جرحاً في نفوس الفتيات اللاتي لم يأتيهن النصيب بَعد، وبعد فترة الخطوبة، تأتي المرحلة الأهم في نظرها، وهي ليلة الزفاف التي تنتظرها هذه الفتاة بفارغ الصبر، والمترتّب عليها اختيار قاعة الزفاف والكوشة والفرقة والقائمة تطول مع مظاهر البذخ. أيضاً من التصورات الحالمة في عقول بعض الفتيات عن الزواج، أنه عالم مليء بالسفر والتنزُّه، ووجود خادمة لتقتنع بأنها دلّوعة زوجها، وليكتمل عقد الرفاهية. مرّت فترة الخطوبة، وانتهت ليلة الزفاف، وأكل المعازيم الكعكة، وتم تفكيك الكوشة، وغسلت العروس مكياجها، وبعد بضعة أيام تم نسيان كل ما تم في تلك الليلة، والآن أيتها الفتاة، هل أعددتِ العدّة والعتاد لباقي العمر، أم عُدَّتك وعتادك كانت لأجل ليلةٍ واحدةٍ تظهري فيها بين صديقاتك بفستان الزفاف الأبيض و أنتِ تعتلين عرشك؟ وبعد ذلك ستنقضي هذه الليلة بكل ما فيها وتقعين في المأزق الكبير؟! بتحليلٍ بسيط لحالة مَنْ ينتابها الشعور بالأفضلية لمجرد اختيارها لتكون زوجةً لأحد الشباب، وارتدائها عباءة الكبر والخُيلاء لكونها ستصبح زوجة و قريناتها عوانس، لكن هل تحسبت لاحتمالات أنها ربما تصبح طالق لأيّ سبب؟ هل فكّرت لو وضعت المُطلقة أو الأرملة في كفة ميزان المفاضلة، ووضعت العانس في كفة أخرى، مَنْ سترجح كفتها؟ ولِمَنْ ستكون الأفضلية والغَلَبَة؟ الزواج مشروعٌ ضخمٌ لا يدرك حجمَه كثير من الآباء والأمهات ذوو الخبرة والتجربة الطويلة، فكيف بفتاةٍ صغيرة تفتقر للخبرة والتجربة؟ وهو مايدعونا لمعرفة أسباب تكدّس ملفات قضايا الطلاق على أرفف المحاكم. أتمنى أن تتغير نظرة مجتمعنا عن الزواج و ألا تنحصر في أمور تكميلية زائفة مع نسيان القضايا الأساسية التي ستسير بالمركب طيلة العمر، وإحصائيات الطلاق تحدثنا عن أرقام مخيفة تهدّد مجتمعنا و تهدد مستقبل أطفالنا.