بدأ بالشعر، وانتقل إلى القصة، ثم إلى الرواية، التي وجد فيها قالباً يمكنه من بناء «حياة كاملة»، وهو ما لا يستطيع الشعر تمكينه منه، فالرواية بالنسبة له «تعب المزارع الذي يزرع القمح، ولوعة انتظار نضجه وجهده في حصاده ورغبته في طحن خبزه وأخيرا شهوة أكله»، أما الشعر «فهو، من كل هذا، شعوره بالجوع وتلذذه بطعم الخبزة». هو الكويتي عبدالله البصيص، الذي كتب الشعر، وكانت له مشاركة متميزة في برنامج «شاعر المليون»، وصدرت له مجموعتان قصصيتان، الأولى بعنوان «الديوانية» وحملت الثانية عنوان «السور»، قبل أن يصدر إصداره الثالث وعمله الروائي الأول «ذكريات ضالة»، الذي لم يفسح في بلده، ووجد موقعاً له في الدورة الأخيرة لمعرض الرياض الدولي للكتاب. «الشرق» التقت البصيص للحديث عن انتقاله من كتابة الشعر إلى السرد، وعن روايته «ذكريات ضالة»، والتعرف على أسباب منعها في الكويت.. فإلى نص الحوار: - الانتقال ليس نوعيا، بل شكليا، يشبه انتقال الماء من صورته الصلبة في الثلج إلى صورته السائلة في الماء، هو تغيير طريقتي لعرض الأفكار التي تراودني في القالب الذي أراه مناسبا لها. - لماذا نفصل الشعر عن سياقه الأدبي وهو الأصل الذي تتفرع منه الآداب جميعها. من يكتب الشعر بدرجة جيد، يستطيع كتابة الأجناس الأدبية بدرجة ممتاز، والرواية الآن هي الجنس الأدبي الذي يستطيع جمع كل الأجناس الأدبية معاً، وبما أنني قارئ جيد للرواية، فمن الطبيعي أن ينتهي الحال بي لكتابة رواية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أجد أن كتابة الرواية أصبحت الآن، لولا الوزن والقافية، هي ذاتها كتابة الشعر. - في الرواية تستطيع أن تبني حياة كاملة، وهذا ما لا يستطيع الشعر تمكينك منه، الرواية هي تعب المزارع الذي يزرع القمح، ولوعة انتظار نضجه وجهده في حصاده ورغبته في طحن خبزه وأخيرا شهوة أكله.. أما الشعر فهو، من كل هذا، شعوره بالجوع وتلذذه بطعم الخبزة. - غالباً نعم. يكاد لا يوجد روائي لم يسبق كتابته للرواية كتابته للقصة، وإذا أمعنا النظر، فإن الرواية ليست سوى قصة طويلة كما يقول باختين. نعم كتبت القصة، وكنت أتعلم من كتابتها كيف أعد النسيج القصصي وأطرزه، بحيث إذا أردته طويلاً نسجته طويلاً، وإذا أردته قصيرا كان ذاك. - لا أعلم حقيقة متى، وأعتقد أنها ليست فكرة واحدة، وإنما عدة أفكار اختلطت وتمازجت حتى وجدتها تضيق في رأسي، فأفرغتها بصورة رواية. - أنا ابن بيئتي، ولا بد أن أكتب عنها، لا يوجد إنسان لا يتأثر ببيئته ومشكلاتها. في الكويت لدينا من المشكلات ما يوجد في غيرها من البلدان، غير أن مشكلاتنا واضحة وتنشر في الصحف، وهذا ما جعلها الأبرز في الخليج، قضية البدون هي قضية موجودة في الكويت وفي غيرها من البلدان، لكنها في الكويت أكثر تعقيداً وإنسانية، أعرف كثيراً منهم، أصدقاء أعزاء، أتأثر بطريقة معاملة الكويت لهم رغم ما قدموه لها، من هنا جاءت فكرة «حميد شاكر» الطفل البدون الذي كان يمتلك شخصية رزينة وذكاءً عاطفيا وحبا للوطن… لكن، ومع حبه للوطن، ولأنه بدون لم يجد له مستقبلاً. أما عن الغزو، فأنا وعيت الغزو العراقي للكويت، كنت صغيراً، لا يزال تأثيره في نفسي إلى الآن، فكان لابد أن أكتب عنه، أو هكذا كنت أشعر. - شيء جيد أن يشعر القارئ بواقعية القصة، فهذا يدل على نجاح الكاتب في ملامسة الواقع. في الحقيقة نعم، هناك بعض الشخصيات أخذتها من الواقع وغيرت فيها أشياء بسيطة حتى أخفيها، وهذه طريقة روائيين عالميين كثر منهم (جابرييل جارسيا) ماركيز، و( ماريو بارجاس) يوسا، ونجيب محفوظ، ومحمد شكري، وغيرهم كثير. - هذا من عناصر الجذب، أو التشويق. التجريب في الرواية مطلوب، شرط أن يكون تجريبا واعيا في إطار المفهوم، لكنه ليس سباقا، هناك من كتب روايات تقليدية ناجحة، وهناك من فشل في روايات كتبت بقصد ابتكار طرق جديدة للسرد. - العالم العربي شائك، وفيه كم هائل من الخطوط الحمراء، فمن الطبيعي أن يجد الكاتب نفسه تجاوز أحدها دون أن يشعر. - لا أعرف، فأنا إلى هذه اللحظة لم أتلق من الرقابة أسباب المنع، ولا أعتقد أن سبب المنع هو قضية البدون، لأن هناك روايات تطرقت لهذا الموضوع قبل روايتي ولم تمنع، مثل رواية «العنقاء» لإسماعيل فهد إسماعيل، و «الصهد» لناصر الظفيري، وغيرهما كثير. - لا ليس هذا ما أقصده. لدينا في الكويت قانون رقابي لا يصلح لدولة ديمقراطية مثل الكويت، ومع الأسف لدينا أيضاً رقيب متعلم لكنه غير مثقف، بحيث لا يمكنه معرفة أبعاد الرواية وما وراء النص، هنا تأتي المعضلة، إذ أن الرقيب يقوم ببتر الجمل عن سياقها (…)، ويجمع الجمل في تقرير، هذا التقرير يذهب إلى لجنة المنع، وبناء عليه يتم المنع. - صحيح، اللجنة قرأت التقرير الذي أعده الرقيب ولم تقرأ الرواية، علماً أن عدد أعضاء اللجنة 6، وأنا قدمت نسختين فقط للفسح، فهذا يعني، على الأكثر، أن الرواية لم تقرأ إلا من عضوين فقط من اللجنة . - أنا لم أخطئ، هذا المنع تعسفي في حقي وفي حق الرواية الكويتية عموماً، لذلك لجأت إلى القضاء الكويتي النزيه أملاً في أن أسترد حقي الذي سلبه القرار المجحف، حيث رفعت قضية على رقابة المطبوعات في وزارة الإعلام، وقد أسندت مهمة الدفاع للمحامي الشاعر مصعب الرويشد. - نعم في الحقيقة، المنع سارع في انتشار الرواية وفي تحقيق مبيعات لم تكن في حسباني، لدرجة أن الطبعة الثانية جاءت في أقل من 3 أشهر، والآن سيتم الإعداد للطبعة الثالثة. - توقعت لها أن تنجح عربياً، لكن لم أتوقع أن تصل الغرب بهذه السرعة. - معرض الرياض يعد المعرض الأول خليجياً من حيث عدد العناوين وعدد دور النشر، وذلك للأعداد الهائلة من القراء، والقيمة الشرائية التي تأتي معهم، وذلك يجعل دور النشر تتسابق على المشاركة فيه، وقد لاحظت أن سقف الحرية فيه عال جداً.. هناك كتب كثيرة ممنوعة في الكويت وجدتها في معرض الرياض.