ربما لا يختلف اثنان على أن المملكة العربية السعودية حينما وقفت مع مصر وأيدت ثورة شعبها واختارت احترام إرادة الشعب المصري في تقرير مصيره قد مثّل ذلك حجر الزاوية الأهم لاعتراف العالم من بعدها بهذه الثورة التي رآها المخلصون للوطن العربي مخرجا من النفق المظلم الذي كادت مصر أن تدخله لولا أن الله حفظها وجند لها رجالاً هاماتهم في السماء وأقدامهم ثابتة في الأرض كالجبال، ومن بين أولئك جميعا يبرز موقف المملكة العربية السعودية متجلياً في حكيمها وملك القلوب خادم الحرمين الشريفين، الراحل عن دنيانا الساكن أبدا في قلوبنا، عبدالله بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- موقفاً حاسماً وفارقاً في تاريخ هذه الثورة الشعبية وبكلمات واثقة وأفعال مؤيدة أعاد لمصر وأهلها البسمة وأدخل السرور على قلوبهم وشد على أيديهم وطمأنهم بأنهم ليسوا وحدهم، وفي خضم الأحداث المتلاحقة رحل الملك في هدوء وهو يوصينا جميعا بأن لا ننساه في دعائنا فلم تنسه مصر ولا أهلها، فبكته أرضها وسماؤها، فقد كان رجلاً في زمن عز فيه الرجال وركناً شديداً نلجأ إلى حكمته وقوته في الملمات، ولكن الله قد سخر لهذا البلد الطيب المبارك ملوكاً وأمراء لا ينقض أحدهم شيئا مما بناه السالفون من مجد بل يشيدون عليه ويزيدون، وقد كان؛ فبعد أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك المثقف سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم أوضح بكلمات لا تقبل التأويل أن موقف المملكة ثابت لن يتغير تجاه قضايا أمتها الإسلامية والعربية، فكان ذلك رداً قوياً على كل من ذهب بفكره هنا أو هناك وهو يعتقد أن المملكة قد تغير سياستها الخارجية مع مصر، أو من كان يعتقد أن برحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- أنه في حل من تعهداته أو أنه يستطيع أن يتحكم في مصير الدول العربية برغم أن وجوده وعدمه في الدنيا سيان، فنودي من بعيد قف -إن كنت ريحاً فقد قابلت إعصاراً- وحينما يأتي سلمان يسكت الصغار؛ فالوقت هو وقت الكبار وليس لمن دونهم مكان؛ فالقاعة قد امتلأت، وجاءت كلمات سمو ولي عهد المملكة الأمير مقرن بن عبدالعزيز محيياً مصر وأهلها ومرحباً بضيوفها ومشيداً بكرم ضيافتها، وأشار إلى أن المملكة هي أول من دعا إلى عقد مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري بالتعاون مع شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ثم شارك المصريين آلامهم وأوجاعهم مما يشهدونه من حوادث الإرهاب الأعمى الذي لا يتورع عن إراقة الدماء وبث العنف في كل مكان، وأعلن تضامن المملكة مع مصر فيما تمر به من أزمات. وقد أكد أن الإسلام بريء من كل هذه الأفعال، وأن المملكة لا تألو جهداً في محاربة الإرهاب، وقد صدر هذا التصريح من رجل دولة كبيرة ومن أرض أشرقت فيها شمس الإسلام وخرج منها نبي الإسلام ليكون رحمة للعالمين وليوحي إليه ربه فيها (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وغير ذلك من التعاليم الإنسانية الراقية التي شهد لها العالم أجمع بسمو هذه الرسالة وبُعدها عن كل ما يعكر صفو الحياة البشرية. كل هذه العوامل الإيجابية جعلت لوقع هذه الكلمات إزاء ما تعانيه الدول من حوادث إرهابية أكبر الصدى في دحض محاولة إلصاق هذه الأعمال البربرية بالإسلام، وكيف لا؟ ومنها بدأت رسالة الإسلام والسلام إلى العالم كله، ثم أهاب بالمجتمع الدولي أن يتعامل مع الواقع في مصر بل طالب المجتمع الدولي بعدم ازدواجية المعايير والفهم الدقيق لما يجري من أحداث في مصر، كلمات شعر منها كل مصري أن الرجل ينافح عن وطنه، وأن المملكة أرادت أن توصل رسالة مهمة إلى كل العالم مفادها (لن نترك مصر وأننا واحد)، وكما قالها الملك عبدالله قبل ذلك مَن لن يكون مع مصر فليس له مكان بيننا ولكن الوقفات المشرفة للمملكة لم تكن بدعاً أو حديثة عهد فمن ينسى موقف الملك فيصل -رحمه الله- في حرب أكتوبر المجيدة وبذله المال والسلاح والأنفس، الذي غيّر مجرى سير المعركة بقراره التاريخي بقطع البترول عن الغرب وقوته في الرد والفعل ضد أعداء العرب وهمته العالية في سبيل إرجاع كرامة العرب جميعا مجتمعة في استرجاع مصر لأرضها وقد كان. لطالما كان خير السعودية من أجل جميع العرب فلم يبخلوا يوما على دولة في العالم بأن يمدوا لها يد المساعدة والعون، والتاريخ يشهد على ذلك دون انتظار مقابل أو مكسب هنا أو هناك. لذا فإن المملكة القوية من الله أولا ثم بأكثر من مليار مسلم حول العالم هو تعداد جيشها، يحتاجها كل العرب لرسم خريطة الاستقرار للوطن العربي؛ فهي القادرة مع مصر والإمارات على تكوين قوة سياسية واقتصادية وعسكرية موحدة تعطي للمنطقة قوة فاعلة في الحراك العالمي، فهذا ما نحتاجه جميعا الآن، ويكفينا فخرا أن دولة مثل السويد تحني قامتها وقامة ساستها لإرادة المملكة وتعتذر بشكل رسمي لكل ما صدر من وزيرة خارجيتها؛ فالجميع يعلم ما للمملكة العربية السعودية من مكانة وثقل على المستوى الروحي العالمي. وما تستطيع أن تقدمه من تعزيز للدور العربي على جميع المستويات. إننا من مصر أرض الكنانة وفي ظل كل هذه الروابط الأخوية فإننا نشكر بلاد الحرمين الشريفين -المملكة العربية السعودية- ونشكر شعبها العظيم ووقفتهم التاريخية معنا لبناء مستقبلنا وازدهار اقتصادنا، ونحن جميعا نسأل الله أن يوفقكم لما فيه الصلاح والإصلاح لشعبكم وأمتكم؛ فنحن شعب واحد ومصير واحد ومستقبل واعد إن شاء الله تعالى..