«لم تعد لدينا مياه والغبار في كل مكان» هذا ما قاله باسى نزار ساراني الذي كانت قريته فيما مضى واحة في قلب منظومة استثنائية للتنوع الحيوي وباتت اليوم جافة في جنوب شرق إيران. وقال هذا الراعي الذي يبلغ 54 عاما من العمر وهو من آخر سكان قرية سيخسر حيث تذكر قوارب خشبية قديمة بأن هذه القرية كانت فيما مضى مروية بالمياه، «إن الجفاف مستمر منذ 7 سنوات». ويتذكر نزار ساراني «من قبل كانت توجد بحيرات وقوارب وكان هناك صيد بحري»، أما «اليوم فلدينا عواصف رملية ونعيش وسط الغبار». قبل 15 عاما كانت هامون سابع منطقة رطبة في العالم. وكانت تغطي مساحة 4 آلاف كيلومتر مربع بين إيرانوأفغانستان يغذيها نهر هلمند الذي ينبع في الجانب الآخر من الحدود. وهامون تضم ثروة حيوانية ونباتية متنوعة على غرار منظومات التنوع البيئي في شادكان غرب إيران وإنزالي في الشمال. لكن هذه المناطق أصبحت صحراوية. والسبب هو التغير المناخي وهطول الأمطار بشكل غير منتظم كل سنة وأيضا بسبب النشاطات البشرية وسوء إدارة الموارد من قبل القيادة الإيرانية. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن السدود الإيرانية لم تعد مليئة سوى بنسبة 40% من طاقتها فيما أصبحت تسع مدنا كبرى، بينها طهران، مهددة بنقص المياه. والوضع حساس أكثر في سيستان – بلوشستان إحدى المناطق الأكثر فقرا والأكثر خطرا في البلاد. فهذه المحافظة التي تقيم فيها أقلية سنية كبيرة في بلد معظم سكانه من الشيعة تقع على الحدود مع باكستانوأفغانستان. إلا أن السدود المبنية في أفغانستان قد تسببت في جفاف المنطقة التي تتلقى كميات أقل من الأمطار. وقد انهار الاقتصاد المحلي مع التحول القهري للمزارعين وصيادي الأسماك، ونزوح كثيف للشبان نحو زابل المدينة الكبرى الأقرب من سيخسر أو محافظات أخرى. وازداد الفقر واستهلاك المخدرات على غرار المشكلات الصحية بسبب الرياح الرملية. ولإمدادها بالمياه باتت سيخسر تعتمد على الشاحنات والصهاريج. ولفت نزار ساراني إلى «أن معظم أطفالنا غادروا القرية للعمل في أشغال يدوية في يزد وسمنان أو طهران. أما الذين بقوا فهم سيرحلون قريبا». وهو كغيره من الفلاحين بات قطيعه من الأبقار الذي كان مؤلفا من 100 رأس يقتصر حاليا على 10 رؤوس فيما لم يعد بيع الحليب يكفي لإطعام عائلته ودفع أقساط مدرسة أولاده الأربعة. وندد محمد بازي وهو راع أيضا بتراخي الحكومة لحمل أفغانستان على السماح بعودة تدفق المياه. وهو مضطر ليقطع مئات الكيلومترات تفتيشا عن مراع لماشيته. وأكد «بدأت بذبح أبقاري لأن الحليب لم يعد يدر ما يكفي». أما الجانب الأفغاني فيعتبر أمرا «جائرا» إلقاء اللوم كليا على بلد يعيش على وقع الحرب منذ 1979 وإعادة إعماره تتطلب وقتا. وقال السفير الأفغاني في إيران ناصر أحمد نور «إن الوضع أسوأ في جهتنا من الحدود». ويشير السكان أيضا بإصبع الاتهام إلى سوء إدارة الموارد خاصة الحصة الهائلة التي تعود إلى المزارعين. وقالت معصومة ابتكار مساعدة الرئيس الإيراني المكلفة بشؤون البيئة «إننا بحاجة لتعاون محلي وإقليمي ودولي. إننا نعمل مع الحكومة الأفغانية من أجل حماية حقوقنا من المياه وضمان نقلها إلى إيران». وتعمل الحكومة الإيرانية مع وكالات الأممالمتحدة الموجودة في إيران لكن المهمة تبدو شاقة. وأوضح غاري لويس منسق وكالات الأممالمتحدة في إيران «إن كل المنطقة أصبحت أكثر سخونة وجفافا. هناك بكل تأكيد عامل التغير المناخي لكن المشكلة الرئيسة تكمن في طريقة إدارة المياه». وقال «في الجانب الآخر من الحدود يتم استخدام 8 من أصل 9 مليارات متر مكعب (من المياه) في الأحواض. يبقى مليار واحد يفترض أن يصل إلى إيران. لكن قسما كبيرا يستخدم في الزراعة وهناك أيضا مشكلات في التوزيع». واعتبر لويس أن مسؤولية أفغانستان «حقيقية» و«أن المسألة يتوجب بحثها من قبل الطرفين على أعلى مستوى».