من القواعد، والمبادئ التي قامت عليها سياسة المملكة منذ تأسيس الدولة على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه أنها لا تتدخل في شؤون غيرها من الدول، وتقف على مسافة واحدة من الجميع دون الإخلال بالتزامها بدعم، وتبني القضايا العربية، والإسلامية، وعلى ذلك سار الملوك أبناء الملك عبدالعزيز على منهج والدهم في احترام دساتير الدول، ونظمها، وقوانينها. والمملكة كما هو معروف لدى الجميع قامت أساساً على الكتاب، والسُّنَّة، ودستور بلادنا كتاب الله الكريم، نطبق ما جاء فيه من أحكام، وتشريعات إلاهية، زوَّدنا الله بها في كتابه الكريم، فكان القرآن الكريم هو دستور الوطن، وكذلك السنة النبوية بما فيها من أحاديث، وروايات صحيحة، تكون مستنداً، ومكملاً لكتاب الله عز وجل في التشريعات، والقوانين، فأصبحت المملكة ولله الحمد تسير على هذا المبدأ، ولم يتغير، أو يتبدل عبر مرِّ السنين، وتغيُّر الملوك، وبقي راسخاً يُطبَّق من خلاله الأحكام، وتُشرَّع منه القوانين التي تتناسب مع شريعتنا الإسلامية. قبل عدة أيام تدخلت وزيرة خارجية مملكة السويد في شؤون المملكة الداخلية عبر تصريحات لها أمام البرلمان، وانتقدت المملكة في بعض الأحكام التي أصدرتها إحدى المحاكم في حق أحد المواطنين، مبينة أن هذا الحكم يتعارض مع حقوق الإنسان. لكن المملكة كما هي عادتها في تصديها للقضايا الدبلوماسية فإنها تعالجها بحنكة، ورويَّة، ودون تسرُّع، لأن من عادة المملكة حرصها على السلم الدولي، وإقامة العلاقات المتوازنة مع الجميع بما تفرضه مكانتها في العالم. تصريحات وزيرة الخارجية السويدية كانت مخيبة للآمال، فبدأت المملكة باستدعاء سفيرنا من هناك كاعتراض مبدئي على ما حصل، إلا أن مملكة السويد لم تتراجع، أو تصدر بياناً توضح فيه موقفها مما حصل، وكانت وزيرة خارجية السويد قد بُرمِج لها إلقاء كلمة في اجتماع وزراء خارجية العرب، الذي عُقد قبل أيام، إلا أن المملكة طلبت من الأعضاء إلغاء الكلمة، وتم ذلك بعد التعرُّف على بعض مضامين كلمتها، التي تتضمن هجوماً غير منصف، ولا يستند إلى حقائق على المملكة، حتى إن وزيرة الخارجية قامت بتسريب بعض مضامين كلمتها على موقعها الرسمي في مواقع التواصل الاجتماعي، ما اضطر مجلس الوزراء في جلسته الماضية أن يصدر بياناً، وضح فيه اعتراض المملكة على أي تدخلات من الخارج تمس نزاهة القضاء أو تشكِّك فيه، حيث جاء في البيان ما نصه «تؤكد المملكة أن ضمان استقلال السلطة القضائية مبدأ ثابت، ومرتكز رئيس لحماية، وتعزيز حقوق الإنسان. وأن قضاءها القائم على الشريعة الإسلامية السمحة كفل العدالة التامة للجميع، وأن الكل متساوٍ، وله حق التقاضي، والحصول على حقه، والقضاء في المملكة يتمتع باستقلالية تامة، ولا سلطان عليه غير سلطان الشريعة الإسلامية، كما أن حرية التعبير مكفولة للجميع في إطار الشريعة الإسلامية، ولا يجب إضفاء ادعاءات غير صحيحة على القضايا ذات الحقوق الشخصية بين الأفراد، ومحاولة إخراجها عن سياقها القضائي». ومن هذا المنطلق أرادت المملكة التوضيح للعالم أجمع أنها تستمد أحكامها من الكتاب، والسنة، وأن الجميع متساوون في تطبيق الأحكام لا فرق بين رجل، أو امرأة، ولا بين كبير، أو صغير، غني أو فقير، فالناس متساوون في الأحكام، والحقوق، وأن المملكة لا ترضى بأي شكل من الأشكال بأي تدخل من أي جهة مهما كانت قوتها، أو منزلتها. للمملكة العربية السعودية علاقات قوية، وودية مع السويد، ومؤخراً حصل تعاون في الجانب العسكري، حيث تطورت العلاقة بعد زيارة الملك سلمان حفظه الله السويد عندما كان ولياً للعهد، ووزيراً للدفاع، وتم عقد اتفاقية بين المملكتين في التسليح المتقدم، والتدريب العسكري المتطور، إلا أن هذه الاتفاقية قد تكون مهددة بالإلغاء، حيث أصبحت بوصلة كل مملكة في اتجاه آخر في هذه الأيام جراء التدخلات غير المبررة، وغير المنطقية، وغير المقبولة نهائياً من مملكة السويد. ختاماً السعودية حكومة، وشعباً تنظر للاتفاقيات الدولية، والعلاقات مع جميع دول العالم بنظرة جدية بما يحقق مصالحها، وتحتل المملكة موقعاً رائداً على خارطة السلم، والتعاون الدولي، لكن ذلك لا يعني أبداً أننا ملزمون بتقديم الاعتبارات السياسية على مبادئنا الشرعية، والوطنية، والاقتصادية، فنحن دولة تفرض سيادتها الوطنية على بقعة مهمة من العالم، ونمثل قيادة روحية، وسياسية للعالمين العربي، والإسلامي، ويجب على الجميع أن يدرك أن القضاء في المملكة رمز، وأيقونة السيادة، والاستقلالية، وبالتالي احترامنا له، وحمايته، في الأساس قضية وجود، لا قضية مساومات.