في أحد الأيام، وكان يوم خميس، ذهبت لإحدى مكائن الصرف الآلي التي تقع في مدخل أحد البنوك، وعند خروجي قابلني حارس الأمن الخاص بالبنك، وبعد أن أدى تحيّة السلام قال “ممكن عشرة ريالات لأنني لا أملك قيمة وجبة الغداء؟”. لا أريد أن أكمل قصته، ولكن المثير للدهشة، أن راتبه لا يتعدى ألفي ريال، ودون أي إضافات، ويسكن في أحد أفقر أحياء الرياض. ألف ريال تذهب منه إلى المواصلات، ويبقى له ألف ريال. الحقيقة، تأكد لي صدق حديثه من خلال سؤالي لأكثر من حارس أمن، وفي أكثر من بنك، بأن رواتبهم لا تتعدى راتب صاحبنا، دون بدل نقل أو تأمين صحي! أحببت أن أعقد مقارنة بين رواتبهم لدينا، ورواتب نظرائهم في الدول الخليجية المجاورة، ولكنني توقفت، وذلك للفرق الكبير في هذه المقارنة، وأكتفي بالمقارنة بين رواتبهم وبين رواتب العمالة الآسيوية التي تؤجرها شركات المقاولات لدينا بالراتب الشهري. ولكي تكون معلوماتي دقيقة، فقد اتصلت بصديق يعمل مديراً لشركة كبرى لتأجير العمالة بالراتب الشهري، وكانت رواتبهم مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، فالعامل الآسيوي الذي لا يجيد أي مهنة يؤجر على الشركات بثلاثة آلاف ومائتي ريال شهرياً، مع العلم أن أرباح شركات المقاولات لا تقارن بأرباح البنوك الطائلة!. السؤال الغريب هو: لماذا لا تتعاقد البنوك مع هؤلاء المساكين مباشرة دون الاستعانة بشركات ومؤسسات الحراسة التي في تقديري أثبتت فشلها في توفير حياة مقبولة لهؤلاء؟ والدليل على ذلك يتمثل في عدم استمرارهم في وظائفهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. الحقيقة لا أدري من المسؤول عن حل هذه المشكلة؟ فمؤسسة النقد هي الجهة المسؤولة إدارياً عن البنوك، وتعتبر أن زيادة أرباح البنوك سنوياً أولى مهماتها، بل ويتباهى مسؤولوها بذلك، حتى ولو كانت على حساب المواطن الذي هو آخر شيء تفكر فيه.