يعد التعليم رسالة من أسمى الرسالات وأنبلها، فهي رسالة تحمل مشاعل الخير للإنسانية وتهدي إلى سبل الرشاد، وهي رسالة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، والمعلم المؤمن برسالته هو رسول خير لأمته. فالمعلم هو حلقة الاتصال بين البيت والمدرسة، وهو الوسيط بين الأسرة والمجتمع، وهو المؤثر الأول في حياة الطالب، فمتى ما أحسن في التدبير، وزان في التعبير، كان له أبلغ التأثير وسط طلابه الذين يقضي معهم ما يقارب ثلث وقته اليومي في المدرسة التي تعتبر البيت الثاني له ولهم، وتُكمل دور الأسرة في التنشئة الأخلاقية وصقل الشخصية للطالب. وبالرغم من التغيرات في بيئات التعلم، وثورة المعلومات، والتطورات المتلاحقة في المجتمع المحيط، فلا يزال الطلاب ينجذبون إلى المعلم المتحمس القادر على التغيير وتقديم ما هو جديد بأسلوب يناسب كل مرحلة عمرية، ومع هذا الكم الهائل من التدفق المعلوماتي عبر الوسائط المختلفة بخيرها وشرها، تبقى الحاجة إلى المعلم القادر والمؤهل أمراً ملحاً ليقوم بدوره بالتوجيه والإرشاد وإسداء النصح لطلابه حيال هذه الموجة العاتية من المعلومات والمتغيرات والتأثيرات المختلفة. فالمعلم الناجح يسعى دوماً لتطوير وتنمية معارفه، ويحرص على تلقي المعلومة الدقيقة الصحيحة، وعنده الاستطاعة والقدرة على بناء شخصية تلاميذه، يحيطهم بالرعاية والتوجيه لأنهم أمانة في عنقه، يزوِّدهم بالعلم النافع والإيمان بالله، واتباع تعاليم الشريعة السمحة، ويهديهم إلى السبل الصحيحة والمنهج الرشيد، ويحصنهم بالدليل والحجة الواضحة، بالمثال والمقال، تجاه كل أمر خارج عن وسطية الدين الحنيف، ويحذرهم من التبعية العمياء والتقليد الذي لا ينفع المجتمع ولا يبني الأوطان، فلا ينقاد لكل ناعق أو صاحب فكر متطرف، بل يغرس فيهم المحبة لدينهم ووطنهم بالولاء والانتماء الصادق، وينمي فيهم ملكة الفهم والفطنة، ويعلمهم آداب الحوار البنَّاء الهادف، والسؤال المؤدب، والإصغاء الجيد، ويغرس في نفوسهم حب التعاون والأخوة والتراحم والتواصل، لأن الناشئة هم جسر الأمة القوي، وهم أمل وعدة الوطن في الحاضر والمستقبل، فالمعلم الناجح هو القائد الرائد لأمته، والرائد الصادق لا يكذب أهله، هو التاريخ الذي يصل الحاضر بالماضي، إنه العطاء الدائم، والنبع الزلال الدافق، وينبغي على كل معلم أن يعي أن الطالب يتأثر بسلوكات معلمه المقصود وغير المقصود، لذا علينا كمعلمين أن نكون حريصين تجاه ما يصدر منا من تصرفات أمام الطلاب جداً وهزلاً. فسلوك المعلمين منهاج خفي يتعلم منه الطلاب جنباً إلى جنب مع المنهاج الرسمي، وتعليم مصاحب للمنهج المقرر؛ لذلك يجب على المعلم أن يكون مثالاً ونموذجاً حياً في ممارسة السلوكات الأخلاقية كالتعاون والمساواة، وإعطاء الحرية في التعبير عن الرأي وتطبيق القوانين وحب الوطن والتسامح، وغرس قيم الولاء والانتماء والمواطنة الصالحة في قلوب وسلوك الطلاب؛ فليس التقدم في التحصيل دليلاً على تقدم شخصية الطالب لأن الشخصية الناجحة هي الشخصية الفاعلة والقادرة على التواصل مع الآخرين بإيجابية، وهذا يقع على عاتق المعلم ليكون القدوة الحسنة والنموذج الأمثل لإكساب الطلاب تلك المفاهيم الناضجة من خلال تنويع الأساليب التعليمية الجيدة التي تعمل في تغيير الصفات الشخصية للطالب وتكسبه مهارات حياتية إيجابية تقوم على العمل التعاوني المشترك ودمج الطالب في البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها ليحبها ويعمل من أجلها.