طالعنا جميعا في عدد صحيفة الجزيرة رقم 15395 تأكيد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم أن حماية مكتسباتنا الوطنية هي مسؤولية جماعية وأمانة عظمى في أعناقنا جميعاً مسؤولين ومواطنين أمام الله ثم أمام التاريخ، مشيراً إلى أن ثبات الحركة في المملكة على صحيح منهج الشريعة الإسلامية الذي اختاره الملك المؤسس -طيب الله ثراه- دستوراً وحيداً للبلاد والتزمه أبناؤه من بعده كان العامل الأساسي في استمرارية العطاء والأمن، جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها سموه في حفل جائزة تبوك للتفوق العلمي. وإن هناك تحديات كبيرة تواجه الأمم المستقلة بأفكارها وثقافاتها وقيمها، ومن أخطر هذه التحديات ما يُعرف بثقافة العولمة، التي تحمل في براثنها، تهديدًا لكل المجتمعات، فالعالم في هذه اللحظة أصبح كقرية صغيرة، تكاد تكون فيها الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية متلاشية، مما سهل تناقل الأفكار والمعتقدات والقيم، ومما هدد الخصوصية لكثير من المجتمعات المحافظة، فبعد ذلك لا يبقى لا للمكان ولا الزمان قدرة على كبح جماح ظاهرة العولمة الثقافية والتربوية، والتأثير على مقومات المواطنة والانتماء عند أفرادها. ولذا ازداد اهتمام المجتمعات الحديثة بالتربية من أجل المواطنة، وشغل فكر العاملين في ميدان التربية، وبخاصة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الذي اتسم باختلاف القيم والاتجاهات التربوية. وإن لشخصية المعلم أبعادا متعددة تختلف عند معلم وآخر، ما يقتضي تدريب المعلم على كيفية بلورة المفاهيم المجردة والاتجاهات الإيجابية وربطها بالموضوعات المتاحة سواء من المقررات الدراسية أو القضايا والمشكلات المجتمعية، وتمكينه الطلاب من ممارسة حقوقهم والالتزام بمسؤولياتهم، كما أن حرص المعلم على ترجمة خبراته الإيجابية وتحويلها إلى ممارسة فعلية في المواقف التعليمية المختلفة وأن يكون سلوكه مطابقًا لأفكاره التي يبثها في عقول التلاميذ، أمر بالغ الأهمية. وإن من المفاهيم العامة للوطن البعد الوجداني أو حب الوطن، والوطنية الوجدانية تعني حب المعلم وإخلاصه لوطنه والتفاني من أجل خدمته، والذي يشتمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالمقدرات التاريخية. ولعل من أهم سمات المعلم المعزز للانتماء الوطني، أن يكون قادرا على تكوين طلاب معتزين بوطنهم وبولاة أمرهم وبنظامه ومؤسساته الاجتماعية، ولديهم القدرة على التضحية بالنفس والمال في سبيل الدفاع عنه، وأين يكون له دور كبير في ترسيخ حب الوطن والانتماء إليه لدى الطلاب، حيث ينمي فيهم مشاعر الحب والولاء لهذا الوطن، ويحثهم على الحرص عليه والدفاع عنه ضد كل معتد أثيم. إن على كل معلم أن يعرف أن التربية الوطنية جزء مكمل لسياسة التعليم لكل دولة، وهدف من أهدافها العريضة، وإذا كان لها منهجها ومعلموها، فإن أي معلم مهما كان تخصصه، له دور في التربية الوطنية للنشء، فإذا ما وعى المعلمون أهداف التربية الوطنية جيدًا، فإنه بإمكانهم العمل على تحقيق تلك الأهداف من خلال دروس المواد الدراسية التي يقومون بتدريسها. إن من واجبات المعلم، صياغة الأهداف التعليمية والسلوكية الإجرائية اليومية بما يتناسب ومتطلبات المقررات الدراسية، في مراعاتها وترسيخها للأبعاد المختلفة لحب الوطن والانتماء إليه لدى الطلاب، فدور مربي الوطنية هو بلورة المفاهيم المجردة والاتجاهات الإيجابية وربطها بواقع حياة الطلاب من خلال المقررات الدراسية، والقضايا والمشكلات اليومية. ويشارك في تحقيق أهداف التربية من أجل المواطنة، مؤسسات كثيرة. ويكاد يتفق خبراء التربية والمختصون في المناهج الدراسية على أن المقررات الدراسية ولما فيها من مفهوم واسع يتجاوز الأفكار المعرفية وحدودها الدراسية الضيقة إلى مكونات المواطنة الأساسية قد تكون أساسًا في تكوين الاتجاهات والقيم ومجالات المعرفة والمهارات المجتمعية والوجدانية. أيضا الأنشطة والممارسات الطلابية المختلفة يمكن أن تسهم في ترجمة مفاهيم المواطنة المجردة إلى سلوك ومنهج حياتي يتعايش معه الطالب في وقائع حياته اليومية، فإذا وفّقنا في هذا الأمر فسيترجم مفهوم المواطنة سلوكًا عمليًا بدلًا من كونه مجموعة معارف تُحشى فيها أذهان الطلاب. وإذا كان الانتماء للوطن ضرورة في بناء شخصية المواطن فلابد أن تواجه المؤسسات التربوية كالمدارس والجامعات، وكذلك المساجد وأجهزة الإعلام مطالب كل فرد نحو تعميقه، وذلك بأن تنمي لدى المواطن الاتجاه نحو الانتماء الوطني على أن يتجسد ذلك في صورة سلوك يدعم بناء الوطن وتقدمه. وحيث إن المدرسة إحدى المؤسسات التربوية في المجتمع فهي ليست معهداً للتثقيف العلمي والإعداد التربوي فحسب، بل هي المصنع الذي تعد فيه شخصيات المستقبل للالتحاق بالجامعة لكي يسهموا في الإنتاج والخدمات والدفاع الوطني لصالح المجتمع مما يعمق ويقوي الانتماء الوطني لدى الطلاب. إن الطالب والطالبة براعم تتشكل وفق ما يغرس بهم من قيم , والمدرسة عندما يتوفر لها القيادة الحكيمة والمنفتحة على مجتمع المعرفة ومتى ما التزمت المدرسة بمبدأ الوسطية وتحلى منسوبوها بالحرص على التنمية الفكرية المستدامة كان دورها حينئذ إيجابياً فاعلاً. وإن تنمية السلوك في المؤسسة التربوية يكون بالقدوة والتدريب وغرس القيم والسلوكيات التي تعزز مفهوم الأصالة والشعور بالانتماء لهذا الوطن الغالي. إن الانتماء للوطن يعد من أهم القيم التي تحاول المؤسسات التعليمية غرسها في نفوس الطلاب من خلال المناهج التعليمية و التربوية التي تتبناها و لكن في عصرنا هذا عصر العولمة والانفتاح على المجتمعات والثقافات الأخرى، الأمر الذي تغيرت و تعددت فيه المفاهيم عن الوطن والمواطنة قد يتوجب على هذه المؤسسات بذل جهود أكبر لترسيخ قيم الولاء والانتماء من خلال تبديل الطاقات السلبية التي انتشرت بين الطلاب بطاقات إيجابية ترفع الروح المعنوية لدى الطلاب و تشعرهم با?مان وتزيد من ثقتهم بأنفسهم مما يؤدي إلى إقبالهم وحبهم للتعلم و المؤسسة التعليمية و شعورهم بالإنتماء لها و من ثم للمجتمع و الوطن بصورة أشمل . وأخيرا فالانتماء للوطن ليس شعاراً براقاً بل ممارسة وتطبيقاً لمبادئ وقيم ورثناها خالفاً عن سالف، ويمكن أن نتمثلها في حب الوطن، والاهتمام بخيره ورفاهيته، والولاء والإخلاص له، والحنين له وصعوبة الابتعاد عنه، والمحافظة على أسراره، والدفاع عنه.