«يشرفني ويسعدني دعوتك لحضور حفلة طلاقي»، لا تستغرب حين تتأمل هذه العبارة على بطاقة دعوة لحضور إحدى المناسبات؛ فتلك ظاهرة غير مستغربة وتغزو المجتمع النسائي بل أصبحت عادية مثلها مثل دعوات حفلات الزواج والتخرج وبعض المناسبات الأخرى، وتقام مناسبة الطلاق هذه في أفخم القاعات وبعض الاستراحات، ويصرف عليها مبالغ طائلة وصلت أحياناً لمبالغ تكاليف الزواج المعتادة بل إنها لا تخلو من الهدايا الفخمة التي تجلبها المدعوات لمحتفلة بمناسبة طلاقها. «الشرق» استطلعت الموضوع عن قرب، وتواصلت مع عدد من المطلقات اللواتي أقمن حفلات خلال الفترة الماضية في عديد من المدن؛ حيثُ كانت البداية مع أم أفنان وهي أم لثلاثة أطفال؛ حيثُ ذكرت أن سبب إقامة حفلة لطلاقها هو عيشها حياة غير مستقرة لمدة سبع سنوات تعرضت فيها للضرب والإيذاء النفسي، وكانت كل مرة تستمر لأجل البقاء مع أبنائها وتربيتهم، وبيّنت أن يوم طلاقها كان أسعد يوم في حياتها بعد حياة زوجية غير مستقرة ومؤلمة؛ فكان لابد من التعبير عن الفرح ودعوة زميلات العمل والمقربات لها في أحد الفنادق بمدينة الخبر لمشاركتها فرحتها. أما نوف عبدالله من محافظة جدة فتقول: أقمت الحفلة لسبب وحيد هو استمراري معلقة 13 سنة ومراجعة والدي وإخواني بين المحاكم كي أكون حرة بنفسي، ما أجبرني على إقامة هذه الحفلة والتعبير عن فرح العائلة كاملة لي بعد هذه السنوات. ومن جانبها ذكرت نادية بنت عبدالرحيم الغامدي مشرفة توجيه وإرشاد أن هذه الظاهرة متنوعة الأسباب ما بين عنف وإيذاء نفسي وجسدي؛ لذا تقرر المطلقة إقامة حفلة الطلاق لكي تجد فيها تفريغاً وتنفيساً عن الأداء النفسي والجسدي والنقص الذي تشعر به حيال مجتمع الرجل، وتقول نادية: في يومٍ من الأيام تفاجأت بدعوة من إحدى زميلاتي لحفلة طلاقها والخلاص من زوجها الذي عانت منه كثيراً، ودعت لها عديداً من صديقاتها في أجواء فرح وسرور علماً بأنني لم ولن أحضر مثل هذه الحفلات؛ لأن مجرد التفكير في إقامة مثل هذه الحفلات هو دليل على الشعور بالنقص، وحضورها يساعد في رفع قيمة الطلاق في المجتمع وهو أبغض الحلال، ومثل هذه السلوكيات مرفوضة، ولابد من زيادة الوعي في المجتمع للقضاء عليها. وذكرت فوز السالم أن هذه الحفلات تعد من السلوكيات الاجتماعية المخالفة للعادات والتقاليد، ولابد من الوقوف ضدها ومحاربتها من كافة فئات المجتمع؛ فإقامة بعض النساء حفلاً يضاهي حفلات الزواج احتفالاً بطلاقها أمر منبوذ، ومن غير المنطقي أن تقوم المطلقة بدعوة صديقاتها والمقربات منها لحفل على هيئة عرس، وربما تزف المطلقة وكأنها في ليلة زواجها، ولعل حجتها في ذلك سعادتها بالتخلص من الظلم الذي وقع عليها من طليقها، وربما هو تقليد لعادة سلبية دون التفكر والتأمل في الأضرار المترتبة على الإقدام على مثل هذا السلوك الغريب، وكم لهذه الظاهرة من آثار سلبية؛ فالطلاق أبغض الحلال عند الله، وهو أمر شرعه الله -عز وجل- في حالات الضرورة القصوى وبعد محاولات عدة للإصلاح بين الزوجين، قال تعالى في كتابه الكريم: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، كما أن من الإيمان احتساب الأجر والإحسان بتذكر المعروف بين الزوجين، قال تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) فكيف يكون تطبيق أوامر الله -عز وجل- بالاحتفال بالطلاق، وكيف لا تفكر المطلقة وهي تقيم حفل طلاقها بحال ونفسيات أبنائها إن كان هناك أبناء. وكان لطيباء الدليجان رأي آخر؛ حيث علقت بقولها «لقد سمعت عن هذا النوع من الحفلات، وبالتأكيد لا أؤيد الاحتفال بمثل هذه المناسبات؛ فهناك بعض العلاقات التي تكون شبه مستحيلة وتستوجب الانفصال لكن لا يحتاج الأمر إلى حفلة من هذا النوع خصوصا إذا كان هناك أطفال، ومن وجهة نظري إن هذا النوع من الاحتفال به استخفاف بمنظومة العائلة في المجتمع وأتمنى التعقل من النساء وعدم الإقبال على إقامة مثل هذه الحفلات الغريبة، وتستطيع السيدة المطلقة التعبير عن سعادتها بهذا الانفصال بالسجود شكراً لله إذا كان طلاقها مصدر راحة لها وبداية لحياة أفضل. ويقول الشيخ محمد بن يحيى القحطاني مأذون الأنكحة في الجبيل: هذا سلوك مرفوض، وهو في قمة الأنانية؛ فمن خلاله لم تراعٍ المرأة المطلقة نفسية أبنائها وكيف سيكون حالهم بعد انفصال والدتهم عن الأب، ومن غير المعقول أن يكون وضعهم النفسي مستقراً وهم يشاهدون والدتهم تحتفل بهدم منزلهم، وأعتقد أنه يتوجب على الجميع توعية المجتمع لخطورة هذه التصرفات حتى وإن كانت فردية، وإذا كانت المرأة طُلقت أو طلبت الطلاق لعدم قدرتها على تحمل الحياة الزوجية فإن هذه الفرحة لا يعبر عنها بإقامة الاحتفالات التي قد يخالطها بعض المحرمات؛ فالفرحة يعبر عنها بالسجود شكرًا لله. وتقول الاختصاصية الاجتماعية هيفاء صفوق «نعم لاحظنا إقامة حفلات نسائية بمناسبة الطلاق وانتشارها في السنوات الأخيرة، وهذا يجعلنا نطرح عديداً من الأسئلة: كيف بدأت؟ ولماذا استمرت؟ وما الهدف منها؟ فمع الأسف بعض التصرفات في مجتمعنا غريبة بعض الشيء، ورغم الغرابة إلا أن بعض أفراد المجتمع ينجرف نحوها بسبب التقليد الأعمى دون إدراك وبلا وعي تام لمردود هذه التصرفات، وبعض السيدات هدفهن التباهي والمفاخرة حتى لو كانت تصرفات سلبية وخاطئة، وربما يكون الهدف لفت انتباه هؤلاء الأفراد؛ للبحث عن الشهرة وتطبيق مبدأ «خالف تعرف»، وهذا يجعلنا نتأمل مثل هذه التصرفات غير الناضجة، هل هي رد اعتبار لبعض المطلقات؟ أم إن هناك من كان يعاني بالفعل؟ وهل كل من يعاني لابد أن يحتفل بالطلاق؟ إذاً الموضوع لا يخرج عن التقليد، ثم هذا رد اعتبار بطريقة خاطئة وغير ناضجة، وأيضا فيه غياب للفكر، وهناك من يعتبر تلك الحفلات وسيلة لشغل وقت الفراغ وهنا أقصد الفراغ المعنوي والداخلي للإنسان، فعندما يكون الفرد خالياً من أي هدف في الحياة، يكون سهل الانقياد لأي ظاهرة في المجتمع حتى وإن كانت سلبية، ولاشك أن من يقيم هذه الحفلات من صغيرات السن وغير الناضجات وبعضهن يرغبن من خلال هذا الاحتفال إغاظة الطرف الآخر حتى لو كان بعيداً، وأحيانا يكون هروباً من واقع مرير، وتفضل بعضهن القيام بذلك لرد الاعتبار لنفسها». وأضافت «الأسباب كثيرة، لكن أهمها هو الجهل وعدم الوعي والنضج الفكري، الذي حينما يفقد تبدأ أي ظاهرة سلبية في الظهور. واستمرارها هو بسبب الفراغ الفكري وغياب النضج المعرفي لأهمية الأهداف في حياة الفرد، وعدم وجود احتواء لمشاعر المطلقة من قبل بيئتها أو محيطها، فتشبع تلك الاحتياجات من اهتمام في إقامة حفل يكون الهدف منه معنوياً، وكأنها تثبت وجودها بذلك، ويوجد أحيانا من يشجع ذلك من بيئة المقربين منها كعملية فرح لا أكثر لكنها بتعبير خاطئ، والهدف كما ذكرت رد الاعتبار بطريقة خاطئة ومحاولة إثبات الوجود بطريقة سلبية والتباهي والتفاخر والتقليد الأعمى، ولاشك أن ظهور الظواهر الغريبة سببه الجهل وعدم معرفة الذات من الداخل؛ فتضيع الشخصية بين متطلبات الأنا وحب الظهور وعدم معرفة الفرد بما يريده والأهداف الحقيقية التي يسعى لبلوغها».