دخل العالم العربي عصر الصحوة الإسلامية. ووصل الإسلاميون إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية ممتطين موجة ما سُمّي ب “صعود الإسلاميين”. الصورة المستقبلية لا تزال ضبابية، إذ لا تجربة سابقة. ويشاع أن هناك تهيئة لصدام سنّي شيعي سيحصل مستقبلاً. التحليلات خجولة، لكن الحقيقة أن الربيع العربي يُزهر. فهل يركب الإسلاميون في لبنان قطار الثورة؟ سكة جديدة للإسلاميين نقل الحراك السوري إسلاميو لبنان نحو سكة جديدة، لكن المتابعين يختلفون بشأن تحديد وجهتها. إذ إن أحداً لا يعلم أين ستكون أولى محطاتها. رسم كل منهم محطة في مخيلته يشتهي أن يفتح الباب لتطأ قدماه أرضها. هنا يبرز الانشقاق لجهة الاختلاف الجذري في الرؤية بين الإسلاميين المعتدلين والآخرين المتشددين. فمن جهة، ينطلق شيخ سلفي جهادي، يقيم في مخيم عين الحلوة الواقعة شرق صيدا، من قاعدة فقهية تقول “قتال المرتد القريب أولى من قتال الكافر البعيد”، ليؤكد أن المنطقة ماضية لا محالة نحو هذا الصدام المحتوم. لكنه يلفت إلى أن الضرورات حالت دون المضي قدماً في هذا الخط نتيجة انشغال المسلمين بقتال الكفّار. ليس هذا فحسب، بل يتحدث عن مظلومية يرزح تحتها أبناء الطائفة السنية في لبنان نتيجة تسلّط حزب الله، لكنه يكشف عن “هدنة” غير مكتوبة جنّبت المنطقة مزيداً من سفك الدماء. مقابل التطرّف الذي يُظهره الشيخ الفلسطيني هذا في فلتات لسانه، تبرز مواقف إسلاميين معتدلين تخفف من وطأة الحدة التي يبديها السلفي الجهادي لتُطمئن إلى أن السلام أفضل الخيارات الموجودة للحفاظ على المنطقة. جزء من الحالة الثورية ويتحدث نائب رئيس مجلس الشورى في الجماعة الإسلامية في لبنان علي الشيخ عمار ل “الشرق” مؤكداً أن “الحركة الإٍسلامية هي جزء من هذه الحالة الثورية التي صبرت طويلاً وعانت كما غيرها من القوى السياسية”. ولفت عمار إلى أن “الحركة الإسلامية انتظرت تهيئة الظروف لتنتفض وتثور” مؤكداً أن التحولات ستكون حتماً في مصلحة الشعوب ومصلحة المجتمعات الإسلامية. ولا ينفي القيادي في الجماعة الإسلامية أن “الحركة الإسلامية في لبنان تنتظر التأثيرات الإيجابية على الوضع اللبناني”. ويؤكد أن “الجيل الشاب لن يسكت على ما يعتبره سبباً في حالة التخلف التي يعيشها لبنان”، مشيراً إلى أن الحركة الإسلامية ستكون دافعاً لعملية الإصلاح. وفي ما يتعلق بموقع لبنان مما يجري في سوريا، يقول عمار “نحن نواكب ما يجري ونرجو أن يكون للبنان نصيب منها”. ويلفت إلى أن “الشعب السوري ليس بحاجة إلى من يواكبه عملياً، وأن أي تجاوزٍ للحدود ربما لن يخدم لبنان ولا الشعب السوري”. ويضيف “المواكبة الإعلامية وحدها قد تكون كافية في هذا الإطار”. أما ما يحكى عن مذهبة الثورات، فيستنكر عمار “النظر إلى الثورات ببعد طائفي أو مذهبي”. إذ يؤكد أن “الصدام الشيعي السنّي وهم موجود في مخيلة بعض من لا يريد الخير للأمة الإسلامية وشعوبها”. ويرى أن المستفيدين هم الصهاينة وبعض من يسعى إلى إشاعة أجواء الفرقة داخل المجتمعات الإسلامية. وختم عمار بالقول إن “المستقبل سيثبت أن الجميع يشترك في توجهات واحدة أساسها السعي إلى الخروج من حالة التخلف وحالة الإرباك التي تتخبط فيها مجتمعاتنا”. الصحوة الإسلامية يوافق الشيخ أحمد الأسير على تسمية “الصحوة الإسلامية” مؤكداً أن التفاؤل سيد الموقف رغم التلبّد الذي يخيّم على الأجواء. والشيخ الأسير الذي سطع نجمه في الآونة الأخيرة، بصفته المدافع الوحيد عن المستضعفين السنّة في وجه سطوة حزب الله، يرى أن “العصر الذهبي للمسلمين بدأ، لكنه ينتظر أن يُكفّن النظام السوري الذي انتهى”. وحول الصدام السنّي الشيعي، يرى الأسير أن أغلب الإسلاميين السياسيين، لا يوجد في أدبياتهم معاداة للشيعة. ويشير الشيخ الأسير إلى أن “الأخوان المسلمون” الذين وصلوا إلى الحكم في الدول العربية يعتبرون أنهم يجب أن يكونوا جنباً إلى جنب مع الشيعة. ويؤكد الأسير أنه “لا يوجد تخوّف على مستوى المنطقة”، لكنه في الوقت نفسه، لا ينفي وجود إسلاميين سنّة يحذرون من الخطر الشيعي الإيراني، إلا أنهم بحسب الأسير، “ليسوا في موقع القرار”. وإذ ينفي الأسير الصدام الشيعي السنّي، يعود ليبدي تخوّفه من سياسة إيران في المنطقة. ويجاهر بموقفه الرافض لحزب المقاومة، يرفض تسميته “حزب الله”، ويشير إلى أن إيران تُحرّك مجموعات في العراق ومصر والكويت وفلسطين والبحرين، مؤكداً أن الحؤول دون صدام طائفي لا يكون إلا إذا “كفّت إيران أيديها الخبيثة عن العبث في أمننا وديننا”. الخاسر أمريكا وإسرائيل أسهب الناشط السلفي والخبير في الجماعات الإسلامية عمر بكري فستق في الحديث عن النهضة الإسلامية، لكنه توجّس باعتبار أن “هذه الصحوة بشكل إجمالي وليس بشكل تفصيلي”، وبرأيه فإن “الإجمال مبهم يحتاج إلى توضيح”. وأشار بكري إلى أن هناك شعارات براقة تُرفع، لكن طالب بمزيد من الشرح والتفصيل. ورأى بكري أن أمريكا لا ترى خطراً من وصول الإسلاميين إلى الحكم، باعتبار أن ذلك “تأخير لوصول الإسلام الحق إلى الحكم”، لكنه في الوقت نفسه شدد أن “المستفيد الأكبر من ثورة الربيع العربي هو الأمة الإسلامية”، لافتاً إلى أن “الخاسر الأكبر هو أمريكا وإسرائيل”. ويرى بكري، الذي اتهمه مندوب سوريا في الأممالمتحدةبشار الجعفري بأنه يرسل مقاتلين من القاعدة إلى سوريا، أن “مشروع أمريكا في المنطقة إحداث فتنة بين السنة والشيعة كتلك التي أحدثتها في العراق”، لكن لفت إلى أنها “لم تنجح في بلاد الشام بعد”. أما الموقف من أحداث الثورة التي تعم العالم العربي، يقول بكري “لن نبكي على الدكتاتور ولن نصفق لمن سيأتي إلى الحكم، لكن سنستفيد من عالم رفع الظلم وإطلاق سراح السجناء”. يذكر الناشط السلفي أن 62 ألف سجين خرجوا من سجون مصر وليبيا وتونس، مشيراً إلى أن هؤلاء غنيمة للأمة الإسلامية. ويضيف قائلاً “لن يتم توقيفي كمسلم من أجل لحيتي بعد الآن. لن يتم اتهامي بالأصولية والتطرف إذا كنت أدعو إلى الله. لن أُتّهَم بأني إرهابي إذا دعوت إلى مقاومة الاستعمار”. الإيجابيات التي يسردها بكري يقابلها بتساؤل استنكاري “كيف سيبقى هؤلاء في الحكم تحت اتفاقية كامب دايفيد؟”، ويردف قائلاً “علماً أنها حرام وباطلة في الشرع”. أما في ما يتعلق بالانتفاضة في سوريا، فيقول بكري “نرى كمسلمين أن مناصرة أهل السنة في سوريا واجبة”، لكن ذلك “لا يعني أننا سننتقم من باقي الطوائف كالعلويين”. ويضيف، “في ليبيا ومصر وتونس لم يقع انتقام. هذا يدل على وعي الأمة الإسلامية”. وبالنسبة إلى الصدام السنّي الشيعي المحتمل، يشرح بكري أن الولاياتالمتحدة في السابق كانت تعتمد سياسة “وحِّد وقُد، إذ وحّدت العرب وراءها في الحرب ضد القاعدة والإرهاب”. لكنه يشير إلى أن “السياسية تغيّرت اليوم لتصبح فرق تسُد”. إذ إن هدفها بحسب بكري، “إحداث حرب مذهبية بين السنّة والشيعة”، لافتاً إلى أن بعض المتطرفين من السنّة والشيعة تورطوا فيها في العراق. يختم بكري حديثه متسائلاً “هل يمكن أن تقع في لبنان ثورة مثل ثورات الربيع العربي”، ويجيب “نعم يجب أن يخرج لبنان مطالبا بإسقاط النظام قريباً”. وبحسب بكري، “لا يمكن للمسلمين في لبنان أن يكونوا عوناً لإخوانهم في سوريا إلا إذا هم أعانوا أنفسهم”.