أثبت واقع الحياة صحة ودقة تلك المعارف الفلسفية التي أتى بها فلاسفة الحِقَب المختلفة منذ ما قبل الميلاد وحتى ألفيتنا هذه، وهي سر حضارات الشعوب القديمة والحديثة المدونة والمعروفة أو غير المدونة التي عاشها إنسان تلك الحقب منذ ما قبل حضارة الهند والسند، وحتى نهضة أوروبا وأمريكا التي بُنيت على معارف اكتشفها فلاسفة التاريخ التي تطورت إلى معارف توالت حتى عصرنا هذا وتُرجمت إلى أجهزة وأدوات ننعم بها اليوم ليبقى عبق المعارف الفاضلة يعطر سماء التاريخ، مهما غير وحوّر أعداء المعرفة ومرتزقتها مكنونها النبيل لتبقى معارف أبدية ثابتة. سأقف اليوم على معرفة لا ينكر صحتها إلا جاهل والتي عززها القرآن الكريم في دعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(126)، والتي استجاب له ربه فحقق دعوته ولكن كيف تحققت تلك الدعوة، فالقاعدة تقول عندما يريد الله شيئاً هيّأ له سُبَل وأسباب التحقيق، فلن يُنْزِلَ اللهُ لك مائدة من السماء تأكل منها كل يوم إذا كتب لك رزق معيشتك، وإنما يهيئ لك أسباب ذلك الرزق بسعي وراءه والعمل عند من كتب رزقك معه وسخره لك في كسب المال ثم شراء ما تريد لإعداد تلك المائدة، ذلك نظام معرفي لآلية سير حياة الإنسان التي أكدها علماء الميتافيزيقيا وواقع الحراك المعيشي للإنسان على سطح الأرض. وعليه فعندما أراد الله تحقيق دعوة نبيه كمعرفة أبدية لذلك هيّأ لها كلَّ سبل وأسباب التحقيق ومن يستطيع تحقيق ذلك لكل حقب التاريخ؛ لذلك كتب الله لهذا الزمن أسرة آل سعود لحكم هذا البلد لعلمه تعالى بقدرة رجالها على تحقيق دعوة نبيه، وكتب لهذا الانسان الملك سلمان بن عبد العزيز أن يكون حاكماً في هذه الفترة التي يغلي فيها العالم على صفيح ساخن وتلاطم أمواج الأحداث السياسية والعسكرية لعلمه تعالى بقدرته وإمكانياته الفكرية والعقلية والسلوكية على التغلب على تلك الأمواج، وحفظ توازن واستقرار وأمن سفينته وتحقيق دعوة نبيه التي استجاب لها وكفل لها من هو كفء لتحقيقها. لذلك أقول إن الملك سلمان -أطال الله بقاءه- (هبة الجزيرة) التي وهبها الله لأهلها استجابة لتحقيق دعوة نبيه إبراهيم الخليل -عليه السلام- شاء من شاء وأبى من أبى؛ فذلك هو تسلسل المعارف المنطقية الصحيحة والمبنية على أدوات فلسفية للمعارف الفاضلة والتي أثبتها واقع الحياة في الجزيرة وجسّدها التاريخ وعزّزها القرآن، فهو فضل الله يؤتيه من يشاء دون حساب.