الطغيان فى اللغة: مجاوزة الحدِّ فى كل شيء، يقال: طغى الماء وطغَى السيل إذا جاء بماء كثير، وطغى البحر: هاجت أمواجه، وطغى الإنسان طغيانًا: جاوز القدر فى الكِبْر والمعصية والكفر، وفيه إفراط ومبالغة فى الشرِّ والكِبْر. تأتيني بين الحين والآخر رسائل من بعض القراء تطلب تخصيص بعض المقالات للقضايا اللغوية، وعندما أستجيب فأكتب بعضاً منها فإنما أعدها كاستراحة المحارب التي تغنيه عن الكتابة في القضايا السياسية أو الاجتماعية الشائكة. وعلى الرغم من أن الموضوعات اللغوية العامة موجودة في مظانها، فلا تكاد تأتي بجديد في المقالة الصحفية، إلا أن الكتابة فيها تجعلها في متناول القارئ غير المختص. استعمل القرآن الكريم كثيراً من الكلمات يوحي ظاهرها بالترادف، لكن السياق القرآني يكشف عن فروق دلالية دقيقة بينها تؤكد عدم ترادفها. 1 - الفرق بين الرياح والريح : يستعمل القرآن الكريم كلمة (الرياح) في الخير يقول: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) الفرقان / 48. (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) الحجر / 22 . أما الريح فقد وردت للخير والشر معاً: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ابراهيم / 18. (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) يونس / 22 . 2- الفرق بين سقى وأسقى: تعني كلمة (سقى) ما لا كلفة معه في السقيا، ولهذا أوردها الله تعالى في شراب أهل الجنة فقال : (وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا) الإنسان/ 21 . أما (أسقى) فتعني ما فيه كلفة ولهذا أوردها في شراب الدنيا فقال (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) المرسلات / 27 . " فكلمة "أسقى" تعني إنزال الماء أو إطلاق الماء للناس سواء شربوا أو لم يشربوا، فهو مبذول لهم في كل حين، وحين تقول : "سَقَيتك الماء" فإن المراد أنك سقيته بيدك وجعلته يشرب، فليس مجرد إطلاق أو تمكين بل تقريب وتحقيق، فالمسقي قد شرب من يد الساقي أو من كأسه بصورة مباشرة، فقربت إليه الماء باهتمام ومبادرة وهو استجاب وأقبل على الشرب ". 3 - الفرق بين البغي والطغيان والظلم والعُتُوِّ والعدوان : لا تقدم المعاجم اللغوية فروقاً دلالية واضحة بين هذه الألفاظ، فهي إذ تفسرها كلها ب "مجاوزة الحَدِّ أو القدر"، لكنها في القرآن الكريم تتضمن فروقاً دلالية دقيقة. فالبَغْي فى اللغة: الفساد والشِّدَّة، يقال: بَغَى الجُرحُ إذا فَسَدَ، وبَغَى المطر إذا اشتدَّ. ثم أطلق البَغْي على التعدِّى ومجاوزة الحدِّ بغير حق، وقصد الفساد. وقد ورد البغي ومشتقاته في آيات كثيرة ومن ذلك : - (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) البقرة/90. - (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الأعراف/33. والطغيان فى اللغة: مجاوزة الحدِّ فى كل شيء، يقال: طغى الماء وطغَى السيل إذا جاء بماء كثير، وطغى البحر: هاجت أمواجه، وطغى الإنسان طغيانًا: جاوز القدر فى الكِبْر والمعصية والكفر، وفيه إفراط ومبالغة فى الشرِّ والكِبْر. ومما ورد فيه من آيات، قوله تعالى : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) الحاقة / 11، وقوله : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طه/ 24 . والظلم فى اللغة: وضع الشيء فى غير موضعه، ويقال: لزموا الطريق فلم يظلموا، أي لم يحيدوا عنه. ومنه أُخذ معنى الظلم وهو الميل عن القَصْد. كثر ورود الظلم فى القرآن الكريم وتعددت معانيه بحسب السياقات، ومنه ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، كما فى الآية (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان/13، وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) هود/18. ومن الظلم ظلم الإنسان للإنسان، وسائر الناس ممن تغريه السلطة كبرت أم صغرت، فيستخدمها لظلم من هم تحت سلطته، ومن هذا قوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/42. والعُتُوُّ في اللغة: التكبُّر والتجبُّر والعصيان، وهو في القرآن ؛ المبالغة فى الكِبْر أو الفساد ولكنه لا يبلغ مبلغ البغي والطغيان. (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الأعراف/ 77. (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) الملك/21. والعدوان فى اللغة: تجاوز ما ينبغى أن يُقْتَصَرَ عليه، وهو الظلم الصُّراح، تكرَّر ذكر العدوان ومشتقاته فى القرآن الكريم كثيرًا، ومن ذلك: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المجادلة/ 9. (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) البقرة/85. 4- الفرق بين كسب واكتسب : ينصرف الفعل (كسب) إلى الخير لأنه موافق للفطرة، أما (اكتسب) فقد جاءت التاء المزيدة على الفعل المجرد لتدل على الكلفة والمشقّة فيما يعمله المرء من الشر، لأن (فَعَل) تعني الفعل الطبيعي الذي ليس فيه مبالغة ولا تكلُّف، أما (افتعل) ففِعْل فيه تكلُّف ومبالغة . ولهذا قال الله تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة / 268 . 5 – الفرق بين المطر والغيث : تختلف دلالة المطر في القرآن عن دلالة الغيث ؛ فالمطر يأتي في موضع العقاب والأذى، ومن هذا قوله تعالى : (وَأَمْطَرْنَاعَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الاعراف /84، وقوله :(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) النمل / 85 . أما الغيث فيأتي في الخير دائما : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف / 49. (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) الشورى / 28. 6- الفرق بين نزّل وأنزل : يفيد الفعل (نزّل) التدرج والتكرار، أما (أنزل) فالإنزال عام هو الأكثر. ولذلك يوصف نزول القرآن بالنزول لأنه لم ينزل جملة واحدة بل سورة سورة وآية آية، قال تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) آل عمرن / 3 ف (نزل) يفيد التفصيل والتنجيم والتفرق في النزول، أما (أنزل) فلا يقطع بذلك بل يحتمله. والتوراة أنزلت على موسى جملة واحدة في وقت واحد، ونجد هذا أيضا في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ) النساء / 136. والمراد التوراة . 7- الفرق بين الخشية والخوف : الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقّي، وفيها نوع من الاطمئنان أن تتقي الوقوع في خطأ. قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) الملك /12 . والخوف فزع في القلب تخِفّ له الأعضاء ولذلك سمي خوفاً لأنه تخِفّ له الأعضاء. قال تعالى : (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) السجدة / 16. 8 - الفرق بين قوله : (مِنْ إِمْلَاقٍ ) و(خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ) : الآية الأولى : ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الأنعام / 151. (من إملاق)، (من) سببية، أي تقتلونهم بسبب الفقر الواقع عليكم ؛ لأنكم محتاجون للرزق لتعيلوا أنفسكم ثم أولادكم ؛ لذا بدأ تعالى برزقهم هم أولاً لأنهم محتاجون ثم رزق أولادهم. أي قدم رزق الآباء على رزق الأبناء . أما الآية الثانية : (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) الإسراء / 31 (خشية إملاق)، أي أنتم لستم محتاجين، ولستم فقراء، لكنكم تخشون الفقر وتخشون أن تؤدي نفقة الأولاد إلى فقركم، لكننا نحن نرزقهم فلماذا تخافون ؟ فبدأت الآية برزق الأولاد أولاً حتى يبين لهم أن الأولاد لن يشاركوهم في رزقهم وإنما يأتي رزقهم معهم. وهنا قدم رزق الأبناء على رزق الآباء، فجاء التقديم والتأخير في الآيتين وفق دلالة السياق..