أشفق كثيراً على أدبائنا وكتابنا الذين أرهقتهم القراءة والكتابة حين يلتقيهم مذيع بارد، وأشفق أكثر على الثقافة السعودية بشكل عام لأنّها لا تقدّم للمشاهدين بشكل لائق. أشفق على المثقفين السعوديين الذين كانت الكتابة عشقهم برغم صعوبات الحياة وضنك العيش وتعدد المسؤوليات وضغوطات المجتمع التي عادة ما تكون وحدها هماً كبيراً وعائقاً أمام المبدعين في الحضور والمثاقفة، أشفق عليهم وعلى الثقافة التي لم تنجب لنا محاورين سعوديين يقرأون بشكل جيد، ويختارون ضيوفهم وفق معطيات ثقافية ذات حضور ملموس وفاعل في حركة الثقافة بشكل أوسع. أشعر بخيبة أمل كبيرة كمشاهد حين يُقدّم مثقف سعودي في القناة الثقافية بشكل لا يسرّ؛ لأنّ من قدّمه بعيد كلّ البعد عن الثقافة وهمومها، وعن الكتابة الأدبية وأجوائها، قدره أنّه كان مذيعاً في قناة ثقافية وكفى! مناسباتنا الثقافية كثيرة ومتنوعة، لدينا معرض الكتاب السنوي، لدينا سوق عكاظ، لدينا ملتقيات الأندية الأدبية الثقافية، لدينا فعاليات في جمعيات الثقافة والفنون، لدينا حراك ثقافي كبير ومتنوع، لدينا صوالين أدبية، لكنّ تلك الفعاليات لم تشفع للقناة الثقافية السعودية في توظيف قدرات المبدعين أنفسهم وتفعيل دور القناة ثقافياً لخدمة هذا الحراك. لدينا أسماء أدبية مارست العمل الثقافي في التليفزيون السعودي وكان لهذه الأسماء حضور مبهج ك الدكتور صالح المحمود وأحمد التيهاني وعلي زعلة ومفرح الشقيقي وجاسم الصحيح وآخرين، وكان هذا الحضور قادراً على إحداث نقلة واعية في القناة الثقافية السعودية، لو وجدت هذه الأسماء الدعم الكافي، وأعطيت مقابلاً مادياً مجزياً كما تفعل القنوات الفضائية الأخرى، إمّا بحرية التنقل في مناطق المملكة جميعها، وإما بدعوات الضيوف إلى المكان الرئيس الذي يبثّ منه البرنامج الثقافي، إلاّ أنّ الشحّ المادّي على هذه البرامج غيّب التيهاني كليّاً عن هذا المضمار، وجعل الشقيقي يغادر إلى قناة أخرى، وما زال جاسم الصحيح يقاوم هذا البؤس بما يعتمد عليه من أسماء في المنطقة الشرقية، لكنّه لن يكون قادراً بعد استنفادها على إتمام برنامجه في ظلّ هذا الشحّ غير المبرّر، والحال كذلك ينطبق على علي زعلة وبرنامجه «المتن والهامش» وقد وقفت بشكل مباشر على جزء كبير من معاناة علي الذي ينتظر ما يحدث في جازان من فعاليات تدعى لها شخصيات ثقافية بارزة على مستوى الوطن مستفيداً من فعاليات نادي جازان الأدبي أو جامعة جازان، فيستغل تلك الفرص؛ ليلتقي ضيوف برنامجه! إذا أردنا أن تكون لدينا قناة ثقافية تعبّر بشكل صحيح ومباشر عن حراكنا الثقافي فالواجب أن تدعم هذه الأسماء وغيرها؛ لتقديم برامج تناسب حراكنا الثقافي الذي يصنع قيمة حقيقية لبرامج ذات حضور لافت في قنوات فضائية عربية أخرى، وأن تنتدب هذه الأسماء الفاعلة وغيرها في معرض الكتاب وسوق عكاظ وفي الملتقيات الأدبية؛ ليكون حضور هذه القناة مبرراً وفاعلاً في هذا الفضاء. أمّا أن يقدّم حراكنا الثقافي بهذا التشويه، فأعتقد أنّ هذا التقديم مخجل وعليه أن يغيب!