قد لا يعجب بعضهم أن تعترف بوجود بعض المتأثرين بفكر داعش، وينكر عليك خشيتك من تنامي هذا الفكر في أوساط الشباب، ومع يقيني أن بعضاً من المنكرين لهذا الاعتراف هم أنفسهم ينهلون من ذات المورد، وقد يدخل إنكارهم في باب (ذر الرماد في العيون)، وإتاحة الفرصة للمنظِّرين بأن (يدعششوا) المجتمع بسهولة بعيداً عن أعين الدولة ودعاة الاعتدال، فما إن يأتي الحديث عن داعش إلا وتجد من يقول لك: إن هذا التنظيم يستقطب الشباب من كل دول العالم، وليس السعوديون وحدهم من يلتحقون بصفوف هذا التنظيم ويتبوأون مراكز متقدمة في قيادته، بل يوجد أوروبيون وتونسيون ومغاربة يقاتلون في صفوفه، وهذا القول صحيح نسبياً، غير أن هناك فارقاً كبيراً بين مجتمع ينظر إلى أفراده الملتحقين في صفوف داعش على أنهم شواذ، ومجتمع يتعاطف معهم ويبرر إجرامهم، فليس المقياس لخطر داعش هو وجود مجموعة من الشباب تنخرط في صفوفه مهما كان عددها، لكن الخطر يأتي من وجود حاضنة شعبية لهذا الفكر، تنظر إليه على أنه يمثل الإسلام الصحيح، وتتعامل مع أخطائه على أنها تدخل في باب الاجتهاد المثاب فاعله!، حتى لو انتهى به الحال إلى أن يُحرَقَ إنسانٌ حي بطريقة بشعة قد لا تجد لها مثيلاً في أكثر العقائد انحرافاً وبعداً عن الإنسانية، أو يٰذبَحَ إنسانٌ كما تُذبَح الخراف، والواقع أن درجة التشابه بين فكر وفكر تقاس بالمرجعية الفكرية، والخطاب السائد، والهدف النهائي، كما أن الحاضنة الشعبية تتجلى بوضوح بين مجتمع ينظر إلى أفراده المنخرطين في صفوف داعش على أنهم محبطون أو مختلون عقلياً، وآخر ينظر إليهم على أنهم سيشفعون في سبعين من أهل بيتهم!، ولا أعتقد أن هذا الفكر وصل إلى درجة أن يكون له حاضنة شعبية في السعودية، لكن الخوف يأتي من كون المتطرفين على قلتهم يمثِّلون عجينة التغيير، ولا يُكنُّون أدنى احترام للأوضاع القائمة. المشكلة أن من يعبر عن خشيته من تنامي هذا الفكر يواجه بحرب لا هوادة فيها من المتعاطفين مع فكر داعش، ذارفين دموع التماسيح على الوسطية، وهي منهم براء، لكنهم يريدون استعداء الدولة على المختلفين معهم، بمبررات الغيرة على الدين، والخشية على سمعة الوطن، لإرهاب كل من تسول له نفسه معارضتهم وفضحهم، حتى لو كانوا لا همَّ لهم سوى الوحدة وجمع الكلمة، وأن يشيع الاعتدال وينشغل المجتمع بما هو أنفع من تكفير الناس وتصنيفهم، وأنه لا أضرَّ بالوسطية من أن يُستبعَدَ المخلصون ودعاةُ التسامح والاعتدال، أو يقرَّبَ رموزُ التطرف ومنظريه ويتم إرضاؤهم على حساب المعتدلين، والمشكلة أن يصل الحال إلى درجة إرهاب المسؤولين، وتشويه سمعتهم إذا لم ينتصروا لهم في كل الأحوال ظالمين أو مظلومين، أو حين يقدموا فهماً آخر أكثر تسامحاً، وأقرب إلى الإسلام الصحيح، كما أنهم يركبون كل موجة تغيير في محاولة إيهام المجتمع أن كل قرار يصدر عن الدولة يتناغم مع نبرتهم، ويرضخ لمطالبهم، حتى أن مسؤولين كبارا لما طالهم التغيير الأخير، وأتى بمن نظنهم مثلهم وخيراً منهم، حاول بعض الحزبيين تفسير ذلك على أنه بسبب تقصيرهم، وقالوا فيهم أشنع الألفاظ، وأشدها إغراقاً في البذاءة، وأدلها على أبشع المعاني وأقبح الصور، مع أن المنصفين يشهدون بكفاءة أولئك المسؤولين وإخلاصهم، لكن إخواننا الحزبيين على ما يبدو خسروا مكتسبات في عصرهم، وقد جرت العادة أن كل من لا يرضخ لمطالبهم فإنهم يهيِّجون عليه الغوغاء ويستعدون عليه الحكومة، ويصوِّرونه في صورة شيطان رجيم!، كما أنهم بمهاجمتهم للمسؤول بعد رحيله، إنما يبعثون برسالة ضمنية إلى المسؤولين الجدد مفادها: إما أن ترضخوا لمطالبنا وإلا فإنكم ستواجهون ذات المصير، إذ لا معنى لأن تحارب مسؤولاً لم يعد في موضع المسؤولية، ولم أجد أكثر دناءة ممن احتفلوا بإقالة رئيس الهيئة السابق الدكتور عبد اللطيف آل شيخ، خصوصاً أنهم مستأمنون على أعراض الناس ومن يحددون لهم معايير الفضيلة والرذيلة!، فإذا كان هذا تصرفهم مع رئيسهم، فماذا سيكون تصرفهم مع مراهق اختلف معهم، وفي يدهم سلطة؟!. وهل المظنون أنهم سيراعون آداب الحسبة في الإسلام، فيأمرون بالمعروف بمعروف، وينهون عن المنكر بلا منكر؟!. وليت الذين درجوا على تبرير أخطائهم بدعوى أن نياتهم طيبة، يعرفون أن الذين انخرطوا في صفوف داعش نياتهم طيبة أيضاً، وأن من قام بإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة – رحمه الله – فعل ما فعل وهو موقن أنه أقرب المقربين إلى الله!.