خرج من بلجيكا التي نفذت عملية واسعة أمس الأول ضد خلية متشددة كانت على وشك الاعتداء على الشرطة؛ العدد الأكبر من الأوروبيين الذين غادروا للقتال في سوريا نسبةً إلى حجم سكانها، وتنتشر في هذا البلد بؤرٌ للتشدد في بروكسل وضاحيتها وحتى في إنفير وفرفييه. وقالت النيابة البلجيكية إن الخلية التي تم تفكيكها الخميس كانت تحضِّر لقتل عناصر من الشرطة على الطريق العام وفي مراكز الشرطة وإن بعض أعضائها من العائدين من سوريا. لكن رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، قال أمس إنه لا علاقة بين هذه العملية واعتداءات باريس في 7 يناير الجاري. وتفيد الأرقام الرسمية أن 335 بلجيكياً غادروا للقتال في سوريا، 184 لا يزالون هناك، و50 قُتِلوا و101 عادوا إلى بلجيكا. ويبدو العدد كبيراً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 11 مليون نسمة. وكانت بلجيكا أول بلد أوروبي يدق ناقوس الخطر مطلع 2013 بشأن التهديد الذي يمثله المتشددون الأوروبيون العائدون من سوريا والعراق. وساهمت سلطاتها مع فرنسا بشكلٍ خاص في تعزيز التعاون بين الدول الأوروبية ودول أمريكا الشمالية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا المعنية بهذه الظاهرة. ولطالما استبعدت بلجيكا تنفيذ عمليات على أراضيها واعتبرت أنها تُستخدَم كقاعدة خلفية للجهاديين. وأُطلِقَت أول النداءات التحذيرية في منتصف التسعينيات عندما هددت الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية بالانتقام من بلجيكا بعد تفكيك خلية لها في بروكسل. ولكن لم يتم إدراك الخطر حقاً إلا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة وبعد أن تبيَّن أن قتلة القائد أحمد شاه مسعود المقاتل ضد طالبان في أفغانستان كانوا يحملون جوازات سفر بلجيكية وتلقّوا مساعدة لوجستية في بلجيكا. وبعد يومين من هجمات نيويورك، أوقفت شرطة بلجيكا التونسي نزار طرابلسي لاعب كرة القدم المحترف السابق والناشط في القاعدة الذي كان يخطط لهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة ضد قاعدة عسكرية بلجيكية يتولى فيها جنود أمريكيون حراسة صواريخ نووية. ومنذ ذلك التاريخ، شددت بلجيكا قوانين مكافحة الإرهاب وأمَّنت عمليات إصدار جوازات السفر وكشفت عدداً من الشبكات. وفي نهاية 2008، نفَّذت عملية تمشيط عشية قمة أوروبية كانت على وشك أن تُلغَى. ومؤخراً، بات التهديد الذي يتربص ببلجيكا أكثر وضوحاً مع ظهور مجموعة «شريعة من أجل بلجيكا» في إنفير شمال البلاد بزعامة فؤاد بلقاسم الذي تمكن بفضل قدرته على الإقناع من استقطاب عدد كبير من الجهاديين حوله. وتخصصت هذه المجموعة التي ضمت العشرات في إرسال متطوعين إلى سوريا، لكنها هددت كذلك بمهاجمة مواقع رمزية مثل القصر الرئاسي البلجيكي ودعت إلى إقامة «دولة إسلامية» في بلجيكا. وأحيل 46 من أعضاء المجموعة إلى المحاكمة وسيصدر الحكم بحقهم في منتصف فبراير المقبل عن محكمة إنفير التي تحاكمهم منذ الخريف بتهمة الإرهاب. لكن السلطات لم تنجح في منع هجوم نفذه مهدي نموش العائد من سوريا ضد المتحف اليهودي في بروكسل وأوقع 4 قتلى في مايو الماضي. ويتحدر معظم الشبان الذين غادروا إلى سوريا والعراق من أحياء المهاجرين الفقيرة في إنفير وبروكسل أو في فيلفوردي التي لم تتعافَ قط بعد إغلاق مصنع رينو فيها في 1997، ومنها غادر 28 شاباً للقتال. وفرفييه «شرق» التي نُفِّذَت فيها عملية الخميس وقُتِلَ فيها متشددان تعد معقلاً آخر للتطرف، فهذه العاصمة العالمية السابقة للصوف التي يعيش فيها 55 ألف نسمة باتت من أكثر مدن البلاد فقراً. ولكون المدينة معبراً بسبب قربها من ألمانيا، يشكل ذوو الأصول الأجنبية 15% من سكانها، وتعيش فيها جماعات شيشانية وصومالية بعضها مقرب من حركة الشباب، وفق الصحافة البلجيكية.