يتوالى قصف قوات الأمن العراقية والميليشيات الموالية لها على الأراضي الزراعية الواقعة في المناطق السنيَّة حول بغداد. ويصف ضباط عسكريون المناطق المستهدفة في هذا الحزام الريفي ب «مناطق القتل». ويقول نائب قائد القوات العسكرية المنتشرة حول أبو غريب غربي العاصمة مباشرةً، العقيد حيدر محمد حاتم، إنه «لا يوجد مدنيون في هذه المناطق، فكل من يوجد في مناطق القتل هذه نعتبره من داعش». وتنتشر «مناطق القتل» على امتداد ما يُعرَف بحزام بغداد على مدى 200 كيلومتر. و«منذ يناير الماضي هجر نحو 83 ألفاً من السكان غالبيتهم العظمى من السنة بيوتهم في المنطقة الريفية حول العاصمة» وفقاً لتقديرات لجنة الإنقاذ الدولية العاملة في مجال الإغاثة. ومن المحتمل أن يكون الرقم أعلى لكن تأكيده يبدو مستحيلاً بسبب هشاشة الوضع الأمني. وحوَّل هذا النزوح الأراضي الزراعية التي عاش فيها الشيعة والسنة جنباً إلى جنب إلى أرضٍ حرام تقع تحت سيطرة الميليشيات التي تدعمها الحكومة والجيش. ولدى توليه منصب رئيس الوزراء في سبتمبر الماضي، سعى حيدر العبادي «شيعي معتدل» إلى الحد من العنف الذي كان منتشراً في عهد سلفه نوري المالكي. وكان من أوائل قرارات العبادي حظر إطلاق النار العشوائي على المقاتلين المتمركزين في المناطق التي يوجد فيها مدنيون. لكن أغلب المواطنين العاديين من السنَّة فروا من المناطق الريفية في حزام بغداد؛ إما إلى العاصمة أو مدن كبرى أخرى وتركوا رجال الجيش والميليشيات يدُكُّون المناطق التي يعتبرونها معاقل للمتطرفين. وإحدى مناطق القتل هذه منطقة جرف الصخر السنية التي تم إخلاؤها في أواخر أكتوبر الماضي بعد أشهرٍ من الاشتباكات والقصف بقذائف المورتر إضافةً إلى القصف الجوي. ويمنع الجيش حالياً سكان جرف الصخر الواقعة قرب معقل «داعش» في محافظة الأنبار الغربية من العودة إليها. ورصد شاهد عيان رجال ميليشيا شيعية وهم يشعلون النار في بيوتٍ خلال الهجوم الذي شنوه في أكتوبر، وراح بعض مقاتلي الميليشيا يركلون 3 من المشتبه في انتمائهم ل «داعش» ويضربونهم ثم أعدموهم بإطلاق الرصاص على رؤوسهم. وستساهم المعركة على حزام بغداد في تحديد مستقبل العراق وتحديد ما إذا كان التقسيم سيصبح مآله في نهاية الأمر. وإذا فاز تنظيم «داعش» بالسيطرة على الحزام سيصبح باستطاعته شن هجوم على العاصمة ومحاولة إسقاط الحكومة. ونفَّذ التنظيم بالفعل تفجيرات في بغداد والمناطق الشيعية إلى الجنوب وقصف بالمورتر تجمعات سكنية شيعية ونصب كمائن لجنود الجيش ومقاتلي الميليشيات، كما عمد إلى قتل السنة المعتدلين ممن يرفضون التنظيم أو طردهم من الحزام الريفي. أما إذا انتصرت الميليشيات الشيعية وقوات الأمن، فإن ذلك قد يجعل الشيعة أغلبية في مناطق سنية أصلاً. وتعتقد شخصيات قيادية من العشائر الشيعية والسنية وكذلك مسؤولون أمنيون عراقيون، أن الميليشيات قررت تخليص المناطق الخلفية المحيطة بالعاصمة إلى الأبد من الأغلبية السنية التي كانت تسكنها. ويقول مسؤول رفيع في وزارة الدفاع العراقية «الميليشيات تحاول تغيير الطبيعة السكانية، فهي تقوم بأعمال انتقامية وأصبحت خارج نطاق السيطرة ولم يعد في مقدور الجيش كبح جماحها». لكن نواباً في البرلمان ومسؤولين حكوميين يدافعون عن الأساليب التي تلجأ إليها الميليشيات، حتى أن بعضهم وصف نزوح آلاف السنة ب «شرٍّ لابد منه». ويقول نائب رئيس اللجنة المختصة بشؤون النازحين في البرلمان العراقي، حنين القدو، إنه «ليس من الممكن السماح لكل هذه الأسر بالعودة إلى بيوتها حتى إذا تم إخراج مقاتلي داعش وتوقفت الاشتباكات، لأن أغلب هذه الأسر في حزام بغداد كانت توفر ملاذاً آمناً للدواعش». وكانت حكومة العبادي اعتمدت على الميليشيات لتأمين المداخل الرئيسة للعاصمة وحماية الطرق والنقاط الساخنة حول الحزام. منطقة أخرى عانت من هذا الصراع وهي منطقة الطارمية الزراعية السنية الواقعة شمال العاصمة وغير بعيدة عن عددٍ من المدن الشيعية، حيث دمرت الميليشيات وتنظيم «داعش» البيوت الموجودة فيها. وأقام الجيش سواتر ترابية حول القرى لمحاولة الإيقاع بمقاتلي داعش الذين يحسبون أن المنطقة معقل حصين. واختفى المئات من السكان السنة في الأشهر الأخيرة واكتنف الغموض مصائرهم. وتعتقد قيادات شيعية وسنية أن كثيرين منهم اعتُقِلوا أو ربما قتلتهم الميليشيات في حين أعدم تنظيم «داعش» آخرين، وتشكو القيادات من عدم محاسبة أحد عن اختفاء هؤلاء. ويؤكد عددٌ من المقاتلين الموالين للحكومة أن الميليشيات الشيعية نفذت عمليات خطف وقتل وسرقة. ويُلخِّص المسؤول المحلي في حي الدورة السني جنوب غرب بغداد الوضع بقوله «العوائل محصورة بين نارين، داعش الذي يطلب البيعة من ناحية، وقوات الأمن والميليشيات من ناحية أخرى، وإذا شعروا بالأمان والأمن فإنهم سيعودون إلى بيوتهم، وإذا ظلت الميليشيات وقوات الأمن مسيطرة على الوضع فلن يعودوا».