ثلاثة عقود مرت وتنويع مصادر الدخل لم يتحقق على أرض الواقع بشكل كامل وتام، فالنفط المصدر الأول والرئيس للاقتصاد الوطني الضامن لنموه، ومغذيه بشكل كامل وذلك خطر في ظل تنامي البدائل الاقتصادية وتحول اقتصاديات العالم نحو اقتصاد المعرفة وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية التي وصلت بسعر البرميل لمستويات متدنية. في أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي توقع الصندوق حدوث عجز مالي في الموازنة العامة للدولة خلال السنوات القليلة القادمة والسبب انخفاض سعر النفط. صندوق النقد الدولي اقترح على الحكومة السعودية بعض الإجراءات التي تمكنها من تجنب العجز عبر ضبط المصروفات المالية الحكومية، ومن أبرز الاقتراحات تحديد الوظائف الحكومية غير الضرورية وإلغاء الوظائف غير الضرورية عند خلوها من شاغليها والهدف تقليص الرواتب التي تدفعها الحكومة أو على الأقل الحد من النمو في هذا البند من المصروفات « بند الرواتب». واقترح الصندوق أيضاً إعادة ترتيب المشاريع الحكومية من حيث الأولوية وإلغاء أو تأجيل بعضها واقترح زيادة مصادر الميزانية من خلال فرض ضرائب على العقارات أو زيادة رسوم الخدمات الحكومية ورفع أسعار الطاقة. اقتراحات متعددة وضعها صندوق النقد الدولي على طاولة المطبخ الاقتصادي الوطني «المجلس الاقتصادي الأعلى» فاقتراحات صندوق النقد الدولي قد يستحيل تنفيذها لعدة أسباب خاصة تقليص الوظائف الحكومية أو رفع أسعار الطاقة، أما اقتراح تقليص الإنفاق الحكومي على المشاريع فذلك ممكن من وجهين الأول تأجيل تنفيذ مشاريع غير ضرورية في الوقت الراهن والوجه الثاني إعادة جدولة المشاريع الأساسية وتحديد تكاليفها والبدء بماهو مهم وأساسي حتى نضمن عدم تأثر القطاع الخاص بالتأجيل أو التقليص، فالقطاع الخاص يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي خاصة قطاع الإنشاءات والمشاريع وتباطؤ النمو بالقطاع الخاص يعني تعسر خلق فرص عمل جديدة وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة، فمؤشر القوى العاملة يتوقع دخول سوق العمل خلال العشر سنوات القادمة 3 ملايين سعودي. الاستمرار بمعدلات الإنفاق الحكومي الحالي قد يعرض الموازنة العامة للعجز وبالتالي تآكل الاحتياطات المالية المتراكمة من فوائض النفط السابقة وإبطاء الإنفاق سيؤدي لبطء النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة مما يخلق مشكلات أعمق وأكبر. خياران لا ثالث لهما في ظل اعتماد الاقتصاد والموازنة العامة على النفط كمصدر رئيس وأساسي، فالبترول كسلعة تتأثر بمختلف الظروف الدولية والإقليمية، المجلس الاقتصادي الأعلى مطبخ الاقتصاد الوطني عليه أن يبدأ بمراجعة السياسات الاقتصادية فالثلاثة عقود الماضية فشلت في تنويع مصادر الدخل الوطني وتوسيع القاعدة الاقتصادية، فالاعتماد على النفط يغذي الاقتصاد لكنه وضع غير قابل للاستدامة في ظل متغيرات عصرية متزاحمة ومعقدة، علينا البدء بتنويع مصادر الدخل لتجنب ركود اقتصادي أو عجز مالي يكون على حساب التنمية، فتنويع مصادر الدخل يعني عدم الاعتماد على النفط بل الاعتماد على صناعات محلية وفتح آفق أوسع للاستثمارات المتنوعة ذات الجدوى الاقتصادية وفتح المجال أمام الاستثمار الأمثل في الإنسان والمكان سياحياً وصناعياً وتجارياً والتركيز على قطاع التدريب الفني والمهني فالفوائض المالية قد تكفي لكنها لا تدوم كفايتها طويلاً فكفايتها مؤقتة زمنياً !