في أحيانٍ كثيرة، نشعر كما لو أن الحياة عبارة عن لعبة كرة قدم، نتعطش فيها للظفر بركلة ترجيحية أو ركلة جزاء أو ضربة حرة، نباغت فيها مرمى الخصم. دون أن نعي أو نحاول استكشاف فيما إذا كان سلوكنا هذا نابع من حالة الوعي أو اللاوعي، وهل هو فكر منطقي أم مجرد ردة فعل. أهو سلوك نابع من «أنانية» مفرطة، أم هو عارض لحالة تلبس من «النرجسية» المتورمة الأوداج؟!. ربما يصيح بعضٌ قائلاً: يكفي جلداً للذات، فالطباع الإنسانية مجبولة على «الغيرة» و«المنافسة»، وإن كان يمكن القول إن الأولى قاتلة للوئام، ومحرضة على الكراهية، فإن الثانية ميدان لإثبات الكفاءة وإبراز الذات وتأكيد التميز في إطار من الشفافية والمفاضلة بين الزملاء وأفراد فريق العمل الواحد. إن جوهر العلاقات الإنسانية يمثل طيفاً واسعاً من التخيلات والإسقاطات، ودائماً ما تتوهج هذه المخيلات في بيئة العمل شديدة التنافسية، خاصة بين الأنداد الذين يسعى كل منهم لترك بصمة مميزة، وعلامة فارقة في سجله الوظيفي وأدائه المهني، وهي مساع مشروعة، إلا أنها قد تضع صاحبها ليس فقط في صدارة الصف الأول دون منازع، بل قد تفتح عليه «عش الدبابير»، أي كراهية وخصومة الآخرين، بلا مبرر موضوعي، إنما فقط بدافع الغيرة المجردة. إن حقيقة هذه المعضلة القائمة، في عديد من المؤسسات وبيئات العمل المختلفة، تستدعي الترشيد في التعبير عن العواطف والانفعالات، وعدم الانجرار وراء المعارك المفتعلة التي يخطط لها آخرون لكي يرهقوا من يحاول تكريس كل جهده من أجل الوصول إلى القمة، بينما هم لا يدخرون جهداً لوضع العقبات والعراقيل أمامه، ظناً منهم أن القمة لا تتسع إلا إلى قدم واحدة!. إن هذه الإشكالية في العلوم الاجتماعية والإدارية، لم تعد تمثل هماً شخصياً للموظف المثابر الذي يدفع الضريبة الأكبر من راحته النفسية وتوتره وقلقه، وفقدانه للتركيز، وهو يشعر بأن زملاءه الآخرين يعاملونه كما لو أنه جسد طفيلي خارجي، أو «فيروس» يستدعي أن تستنفر كريات الدم البيضاء بالجسد كل طاقتها بغية تطويقه وشل قدرته ومنعه من التمدد والانتشار، بل باتت معضلة تشغل بال صناع القرار في المستوى القيادي، وتدفعها لكي تبدع الحلول في كيفية إطفاء نار الغيرة بين الموظفين، إيماناً من تلك المؤسسات بأن الجهد الذهني والجسدي للعاملين بكل مستوياتهم، كلما تم شحذه نحو التركيز في الإنتاجية وانسيابية العمل، كلما كان المردود أفضل على صعيد الأرباح وعلى صعيد النتائج الختامية، بينما عندما يتشتت ذهن العاملين وفكرهم وطاقاتهم الجسدية في مماحكات غير مجدية، فإن الأداء يتراخى، والقدرة الإنتاجية للعاملين تقل، والأرباح تتراجع.