أن تكون منصفاً مع الناس، أو حتى مع نفسك أمرٌ صعب أحياناً. ما تحتاجه لتكون منصفاً في أي أمر هو القرار الصائب حتى وإن لم تكن قاضياً، وأحياناً الرأي الصائب. ولتتمكن من اتخاذ القرار الصائب أو إلقاء الرأي الصائب، تحتاج إلى التوغل فيما يواجهك بعقلك وقلبك معاً. فمثلاً: عندما يسألك أحد أصدقائك عن رأيك في مشكلة يواجهها أو قرار سيتخذه وأنت لم يتسن لك أن تعيش تجربة مثل تجربته، أو عندما تلقي رأيك في الحروب التي تواجهها الشعوب الأخرى في بلدانهم وأنت لم تتذوق مرارةَ الحرب أبداً، لن تحمل الكلمات التي ستتلفظ بها كثيراً من المصداقية حتى وإن كانت بعد تفكيرٍ طويل. يسهل على الجميع الحديث عن أي موضوع حتى وإن لم يفقهوا فيه شيئاً رغم أن بعض المواضيع والقضايا لا تعتمد على مقدار الكتب التي قرأتها عنها، بل تعتمد أيضاً على حواسك ومشاعرك وعقلك؛ لأن الإنسان أحياناً يحتاج إلى التجربة التي من خلالها يختبر حقيقة الموقف الذي يواجهه وهي خير مُعلم. ولأننا لا نتمكن دائماً من تجربة كل ما يواجهنا في الحياة وأحياناً نجهل بعضاً من نواحي الأمور ونحتاج من يهدينا إلى الطريق الصحيح شرع الله لنا التوكل عليه ودعاء الاستخارة لنمضي مطمئنين. حتى الحكماء عبر التاريخ لم يصبحوا ذوي مكانة ورفعة، إلا عندما زادتهم تجارب الحياة علماً وأصبح بعضهم بنصائحهم يقتدون. ولذلك قيل في المثل الشهير: «اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً». كثرة التجارب تجعلنا أقوى وقِلتها تجعلنا نخاف كل جديدٍ نُصادفه، والحوارات مع أشخاص ذوي تجربة في الحياة والاستماع إليها تحفزنا وتجعلنا نتجنب الوقوع في نفس الأخطاء التي وقعوا فيها. العلم الموجود في الكتب غذاء للعقل نحتاجه لندرك الحياة، أما التجربة فهي غذاء العقلِ والقلب تبقى محفوظة في حُجُرات الذاكرة ولا تُنسى، نحتاجها لنتمكن من العيش في الحياة واتخاذ القرارات بشكل صائب.