في هذه الأيام المباركة، تشهد الأراضي المقدسة، وفود حجاج بيته الحرام أفواجاً كالأمواج يكسوها البياض، وفدت من بقاع الأرض من كل فج عميق، ملبية دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام ليشهدوا منافع لهم، ويؤدوا مناسك خامس أركان الإسلام وعبادة لله. ونحن نرى كما يرى المسلمون في بقاع الأرض المعمورة، ما تشهده الأراضي المقدسة في هذه الأيام، من مشاهد عظيمة، تعبر عن وحدة المسلمين وإخلاصهم في دينهم، وتوحدهم في الملبس والنداء والمقاصد. ولعل حج هذا العام، يأتي مهماً تتضافر له الجهود، حيث يتزامن مع أحداث جسيمة يشهدها العالم في محاربته للإرهاب ومن يشوهون بجرائمهم صورة المسلم الصادق في إيمانه، الذي يمثله خير تمثيل الحاج لبيت الله الحرام. الحج الأكبر تتجلى صوره التي تخشع لها القلوب، وترق المشاعر، وهي ترى الجموع الغفيرة من ضيوف الرحمن، وقد جاءوا شعثا غبرا، زاهدين في نعيم الحياة وترفها، لينالوا رضا الله، جاءوا من بلادهم، وقلوبهم تهيم شوقا لبيته العتيق، وألسنتهم تلهج بالدعاء والتلبية، ونفوسهم تصفو في رحلة إيمانية وأجواء روحية، والشوق إلى البلد الحرام وبيت الله العتيق لا يعدله شوق، والحنين للبقاع الطاهرة لا يعدله حنين. فكيف لا يشكر حجاج بيت الله ربهم على أن وفقهم لأداء فريضة من أجل وأعظم الفرائض، والله آمنهم في رحابه من الخوف وأنعم عليهم بالسكينة والطمأنينة، فوجب عليهم حمده وشكره، وقد آمنوا تمام الإيمان بأنهم قد أسلموا أنفسهم لله، وعاهدوه على التخلص من ذنوبهم وخطاياهم. وهم في بلد الغفور الرحيم. الحج رحلة إيمانية، لا رفث فيها ولا فسوق ولا عصيان. والنية بقلوب صافية على الأعمال الخالصة لوجه الله، ولا أهداف غير عبادة الله وطاعته، ومن كانت نيته غير ذلك باء بغضب من الله ولا حج له. فقد وجب على كل من قصد البلد الحرام حاجا أن يخلص النية لله، وقد ترك وراءه كل الخلافات والصراعات، التي طال فيها الجدال واختلف عليها البشر. لأن حجاج بيت الله في رحابه الطاهرة والأراضي المقدسة، أدركوا أنهم قد أسلموا أمرهم لله وتوجهوا مخلصين بالعبادة والدعاء إلى الله، ومن يتق الله يجعل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا. لأنهم تجردوا عن المقاصد والمطامع الدنيوية، في مكان لا يذكر فيها إلا اسم الله بالتلبية والتكبير. وتبذل حكومة المملكة العربية السعودية، جهودا جبارة لتيسير وتسهيل مناسك الحج لضيوف الرحمن، والعمل على حمايتهم وتوفير الأمن والطمأنينة لهم، ليؤدوا مناسكهم في سكينة وخشوع وأمان، وليتذكر حجاج بيت الله وهم في الرحاب الطاهرة، وفي هذه الأيام العظيمة التي نعيش روحانياتها، أن رجالا يسهرون ويتعبون من أجل توفير الراحة والأمن والسلامة لهم. وقد تضافرت جهود مؤسسات الدولة ووزاراتها المعنية من أمن وصحة وضيافة وإسكان، فليعبروا عن شكرهم، بأن ينصرفوا لعبادة الله وأداء مناسكهم، واتباع الأنظمة والعمل بها. حتى يكونوا آمنين مطمئنين. ونحن أبناء «هذا البلد الحرام» و«الأراضي المقدسة»، نحمد الله ونشكره أن جعلنا خداما لحجاج بيته الحرام. والرحاب المقدسة، التي أكرمنا الله وأعزنا بها، فهي بلد الله الحرام درة في جبين المسلمين، ونور قلوبهم، وما أعظمها من بلاد يهيم المسلمون بأرواحهم إليها. فهنيئا لحجيج الله وقد وفقهم الله لوجودهم في البلد الحرام، لأداء حجهم، وهنيئا لبلادنا وأهلها، أن جعل فيها وفي بقاعها بيت الله الحرام في مكة ومسجد نبيه وروضته الشريفة في المدينةالمنورة. وقد سخرنا لخدمة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام.