منذ سماعي بخبر اختيار أدبي الطائف لاستضافة ملتقى الشعر الخليجي في أحضان طائف الورد وأنا في نشوة، لأمرين الأول توجه الوزارة إلى نشر فعالياتها على كافة أرجاء الوطن وعدم قصرها على مدينة الرياض، والثاني لأنني سأتمكن من حضور كافة فعاليات الملتقى ولقاء شاعرات الخليج والوطن فحضور 6 شاعرات وناقدة في هذا الملتقى كافٍ للتحليق في فضاء الإبداع النسائي. افتتح الملتقى في أجواء بهيجة من التنظيم غير المسبوق في ملتقيات وزارة الثقافة، وفي كرنفال شعري راقي المستوى شدا خلاله 6 شعراء بقصائد رائعة، زاد عمق خصوصيته حضور فن المجس الحجازي الأصيل الذي حرك في قلوب الحاضرين قيمة التغني بالشعر العربي الفصيح «تغن بالشعر إما كنت قائله ** إن الغناء لهذا الشعر مضمار» والمقاطع الغنائية الخليجية، والمؤثرات الموسيقية خلال الأمسيات، وزادت اللحظات إشراقاً بتلك الحميمية بين الحاضرات من مبدعات الخليج ومتذوقات الشعر. لفت نظري البرنامج السياحي المعد للمشاركين، بتنوعه، فلم يقتصر الملتقى على الفعاليات الثقافية؛ بل كان للسياحة نصيب وافر انعكس على المشاركين وجللهم بسعادة بالغة، فزيارة الشفا ومصانع الورد الطائفي والمكتبة العامة وقصر شبرا التاريخي والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وحديقة الكر المائية، تزيد الروح انتشاء وتتسع مساحات الشعر، حتى امتدت الأماسي الدافئة على هامش الملتقى، وتقوّت أواصر القربى بين أبناء الخليج. ولعلي لا أنسى حضور أبناء وبنات الطائف على مدى أيام الملتقى الأربعة الذي غيّر النظرة إلى قلة حضور الفعاليات الأدبية والقاعتين تغص بالحضور إلى درجة وقوف بعضهم لامتلاء المقاعد. كمتذوقة للشعر راقتني بعض النصوص، وحلقت معها عالياً، ولا أعد التباين في مستوى القصائد عيباً، لأن للشعر متذوقيه، فما لا يروقني قد يعجب غيري، ولن أتوقف عند هذه النقطة، لكن كمهتمة بالنقد تمنيت لو أن الأوراق النقدية المقدمة كانت أكثر شمولية وتركيزاً، فناقدون من السعودية وناقد من عمان تحدثوا عن تجارب خاصة أو إقليمية، وناقد فقط تحدث عن الإبداع وثقافة الشاعر بصفة عامة، وتمنيت لو أن اللجنة القائمة على الملتقى ألزمت أصحاب الأوراق النقدية بمناقشة عنوان الملتقى تحديداً على مستوى الشعر الخليجي، أو مناقشة النصوص التي ألقيت في الملتقى من خلال العنوان « القصيدة المعاصرة في الخليج في ظل المتغيرات الحديثة»، فكأن الأوراق النقدية لم تحضر إلا ليقال إن النقد حاضر في الملتقى، فكانت نشازاً في نظري رغم تميّز الطرح، ورغم شدة إعجابي بما طرحه الناقد أحمد التيهاني عن لغة الأرض والمعجم الشعري عند شعراء عسير، لكن تحليق الأوراق في فلك بعيد عن عنوان الملتقى والنصوص الشعرية الملقاة فيه كان سبب اعتبار نشازها في نظري على الأقل. وكالكثيرين والكثيرات ساءني تشويه ذلك الجمال البالغ بمواقف فوضوية تتجاوز الجهات المعنية، ومحاولة نقل الصراع التياراتي إلى الملتقى، بحجة الاحتساب البعيد تماماً عن المقاصد السامية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد تجاوز الفوضويون الهيئة المعنية به، وجاءوا بأنفسهم لتسجيل مواقف جوفاء وتوزيع التهم على الشعراء والشاعرات والمنظمين دون علم ولا دليل، إلا لأن رجال الأمن لم يمكنوهم من إرباك الاحتفالية ونشر فوضاهم. ولعلي لا أكتم في صدري السرور والحسرة، بعدما رأيت الشابة نورة البلوشي تقود الوفد العماني، شعراء ونقاداً رغم تقدمهم في السن والعلم عليها، لكنه يعزز في ذاتها الثقة وهذا مبعث سروري، أما الحسرة فتنبجس من حال المثقفة السعودية التي يريد بعضهم أن تكون تابعة دائماً مهما بلغت من العلم والعمر، فليتهم يستأنسون بحال نورة. وفي الختام أهنئ الطائف وناديها الأدبي ووزارة الثقافة والإعلام والوطن على النجاح الباهر للملتقى، وتلك الابتسامة المرتسمة على وجوه المشاركين والمشاركات دون استثناء، وانطباعاتهن التي عبرن لي عنها بنشوة وإعجاب خالف توقعاتهن وانطباعاتهن عن الملتقيات. زاد الله وطننا تميزاً وخليجنا الحبيب لحمة واتحاداً يضرب به المثل في الإخاء والتعاون والشعر.