يعالج المجانين بصعقات الكهرباء وحقن الأنسولين، كما حصل مع جون ناش عالم الرياضيات الذي استولى عليه هاجس الأرقام والمؤامرات، فكان يضع في صندوق بريد وهمي رسائل وأعدادا وهمية. الأيام علمتني أن جون ناش أيضا بيننا في صورة ما، فقد كنت يوما في زيارة لمسجد فاطمة في مونتريال بكندا، وهناك عرفني نفر من الشباب من اطلاعهم على كتابي (الطب محراب للإيمان)، وكان أحدهم يشرح الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم) ثم طلب مني الشباب يومها الحديث. عرفت هاجس المسلمين في موضوع الجهاد بشقه (المسلح) وبدأت أفكر في كيفية معالجة هذا الاختلاط، وكيف يجب أن نفهم على الله، ولا نكذب عليه، ونجعل أنفسنا سخرية في العالمين. ظن الشباب أنني سوف أتحدث لهم عن عجيب خلق الله في تشريح جسم الإنسان، ولكنهم فوجئوا حينما انصب تعليقي على الآية التي كان يشرحها (الواعظ). قلت لهم إنكم قوم خطرون على المجتمع الكندي. فأي خيل تريدون؟ وأي رباط تبغون؟ وأي إسطبلات لهذه الخيول تهيئون؟ إن كندا سمحت لكم بكل شيء فاجتمعتم في (بيوت) تذكرون فيها اسم الله بالغدو والآصال في مجتمع لا يدين بدينكم. ووفرت لكم أن (تعبِّروا) عن آرائكم من حيث حرمتم منها في مجتمعاتكم التي فررتم منها، و(تكتبون) كيف يحلو لكم دون خوف من رقيب عن اليمين والشمال قعيد، في الوقت الذي كانت جرأة من هذا القبيل في الوطن تكلفكم نومة أهل الكهف في أقبية مخابرات، تذكر بالقبر يستجوبكم فيها محققون يذكرون بمنكر ونكير. وأباحت لكم التظاهر في الشوارع التي قد تكلفكم حياتكم في الوطن العربي الكبير برصاص أنظمة لا ترقب في المواطن إلاًّ ولا ذمة. وتدخلون وتخرجون من البلد في الوقت الذي يناسبكم دون تأشيرة دخول ورسم خروج. وأنتم تريدون القيام بعمل مسلح في هذا المجتمع المسالم وتسمونه دار الكفر؟ لماذا إذا جئتم لهذه الأرض وأحضرتم عائلاتكم ودفعتم أولادكم إلى مدارسها يتعلمون اللغتين الفرنسية والإنجليزية؟ وتنتظرون بعيون اللهفة ذلك اليوم الذي تضعون في جيوبكم جواز السفر عله ينفع يوم الزلزلة؟ لماذا لم تذهبوا إلى دولة إسلامية (مثل داعش حاليا) فتسكنون في دار الإسلام وتنقلون أموالكم إليها فتنعشون اقتصادها وتشاركون بسواعدكم في رفع علمها؟ هز الشباب رؤوسهم أمام صدمة فكرية غير متوقعة، ولكن مشكلة (الدوغمائية) كما يعرِّفها البعض «أنها حالة ذلك الإنسان الذي يقع في تناقض دون الشعور بأنه متناقض». مثل القِصَر الذي هو علة وراثية غير قابلة للإصلاح وصاحبها آخر من يتفطن لهذه الحقيقة.