في عام 1989م كنت في زيارة لمونتريال ودخلت مسجد (فاطمة) وهناك عرفني نفر من الشباب وكان أحدهم يشرح الآية (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) فطلبوا مني الحديث. عرفت هاجس المسلمين في موضوع الجهاد وبدأت أفكر في كيفية معالجة هذا الأمر؟. ظن الشباب أنني سوف أتحدث لهم عن عجيب خلق الله في تشريح جسم الإنسان، ولكنهم فوجئوا حينما انصب تعليقي على شرح الآية التي كان (الواعظ) يشرحها. قلت لهم إنكم قوم خطرون على المجتمع الكندي. فأي خيل تريدون؟ وأي رباط تبغون؟ وأين ستجدون إسطبلات لهذه الخيول؟ إن كندا سمحت لكم بكل شيء فاجتمعتم في (بيوت) تذكرون فيها اسم الله بالغدو والآصال في مجتمع لا يدين بدينكم، ووفرت لكم أن (تعبروا) عن آرائكم من حيث حرمتم منها في مجتمعاتكم التي فررتم منها، و(تكتبون) كيف يحلو لكم، دون خوف من رقيب عن اليمين والشمال قعيد، في الوقت الذي كانت جرأة من هذا القبيل في الوطن تكلفكم نومة أهل الكهف في أقبية مخابرات تذكر بالقبر، يستجوب فيها محققون يذكرون بمنكر ونكير. وأباحت لكم الاندفاع في الشوارع في (مظاهرات) قد تكلفكم حياتكم في درعا وحوران وحمص برصاص أنظمة لا ترقب في المواطن إلاًّ ولا ذمة. وتدخلون وتخرجون من كندا في الوقت الذي يناسبكم بدون تأشيرة دخول ورسم خروج. وأنتم تريدون القيام بعمل مسلح في هذا المجتمع المسالم وتسمونه دار الكفر؟ لماذا إذا جئتم لهذه الأرض وأحضرتم عائلاتكم ودفعتم أولادكم إلى مدارسها يتعلمون اللغتين الفرنسية والإنكليزية؟ وتنتظرون بعيون اللهفة ذلك اليوم الذي تضعون في جيوبكم جواز السفر عله ينفع يوم الزلزلة؟ هز الشباب رؤوسهم أمام صدمة فكرية غير متوقعة، ولكن مشكلة (الدوغمائية) كما يعرِّفها بعضهم «أنها حالة ذلك الإنسان الذي يقع في تناقض دون الشعور أنه متناقض». مثل القِصَر الذي يشكل علة وراثية غير قابلة للإصلاح وصاحبها آخر من يقتنع بهذه الحقيقة. قال أحدهم: إنك لم تستشهد بالقرآن وكنت أثناء حديثي قد أمطرتهم بعشرات الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة. ويبدو حسب قانون (الوعي الانتقائي) أن الإنسان لا يرى بعينه أو يسمع بأذنه بل يسمع ويرى بدماغه. قلت لهم إن حديثي كان ممزوجاً إلى حد الإشباع «قرآنا وحديثاً» قال الرجل المتحمس: لا.. لم يكن على منهج السلف الصالح. قلت له ما أراه منكم ليس بسلف ولا صالح ولو بعث أحد من السلف الصالح لعاقبكم على أفكاركم الخطيرة. هنا أدركت تحولاً خطيراً في الثقافة عندما تغيرت المرجعية من الحق للرجال. تابعت قولي: أنتم أناس خطرون على المجتمع الكندي وتسيئون إلى الإسلام حسبما أرى. ولا أفسد في الأمر من قضية ناجحة يتولى الدفاع عنها محام فاشل. بعد نحو عشر سنوات حدث شيء عجيب، فقسم من هؤلاء الشباب بدأوا يستوعبون صدمة العصر، وتذكروا ذلك اللقاء العاصف بمرارة وقالوا: لم نقدر أهمية هذه الأفكار يومها والآن تبين لنا صواب ما ذهبت إليه.