في ساعة متأخرة من مساء الأربعاء يبدأ الباعة بالتوافد إلى السوق محملين بأصناف البضائع، يبدأ كل منهم في اتخاذ موقعه في المنطقة المخصصة له في السوق حسب الأصناف التي يعرضها للبيع، ثم يخلد الجميع إلى النوم مفترشين الأرض وملتحفين السماء، وبعد انقضاء صلاة فجر الخميس يبدأ كل بائع في ترتيب بضاعته. ومع إشراقة شمس الصباح تتعالى الأصوات كل يحاول جذب المتسوقين إلى البضائع التي يعرضها.. في مشهد أقل ما يوصف بالفوضى الجميلة التي ألفها المتسوقون واعتادوا عليها في السوق، فهذا يعرض مواد غذائية، وذاك يبيع عِدَداً يدوية، وآخر يسوق الملابس والأحذية والعطور الشرقية والأوروبية.. وبالقرب منه مسنة اتخذت لها ركناً في السوق لعرض ما لديها من مشغولات يدوية صنعتها بيدها من سعف النخيل، فيما يجلس شيخ مسن يبيع الربيان والأسماك المجففة «المشلق والحساس» والإقط والسمن.. فيما بدأ آخر مهمته في تنظيم مزاد للحمام والدواجن؛ حيث ترى عديداً من محبي الحمام يتحلقون حوله، وفي الجانب الآخر تجد أحد الشباب يعتلي سيارته لتسويق بعض الأجهزة الكهربائية والمنزلية، في حين يعرض أحد الأطفال بعض الشتلات الزراعية، وآخر ينادي على بضاعته من الخضار البلدي والفواكه. ذلك مشهد بانورامي نشهده كل خميس، لكنه بدأ يفقد هذه النكهة الشعبية شيئاً فشيئاً منذ القرار الأخير بتغيير الإجازة الأسبوعية إلى السبت مع الجمعة، بدلاً من الخميس. سوق الخميس في الأحساء له أهمية خاصة لدى أبناء المنطقة وزوارها، فالتاريخ والبساطة وتنوع السلع وأسعارها المناسبة مميزات تجتذب المتسوقين إليه، كما أنه يعد أكبر الأسواق الشعبية في المنطقة وأقدمها وأكثرها جذباً للمتسوقين، فانعقاده يوم الخميس أسهم في ازدياد عدد المتسوقين سواء من أبناء المنطقة أو زوارها الذين يعتبرون التسوق فيه متعة حقيقية، فضلاً عن أن شراء احتياجاتهم منه أكثر إيجابية نظراً لتوفر جل احتياجاتهم وبأسعار مناسبة. وفي ذات الوقت يؤكد عدد من المختصين في الشأن الاجتماعي بأن دور السوق الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 150 عاماً لا يقتصر على الجانب الاقتصادي بل يتعداه إلى الجانب الاجتماعي، وذلك من خلال توافد سكان القرى والبادية لعرض ما لديهم من بضائع أو شراء احتياجاتهم من السوق، وفي ذلك فرصة لزيارة أقاربهم وأصحابهم في الهفوف، مما أسهم في زيادة الترابط بين سكان القرى والمدن في الأحساء، خصوصاً مع توجه عديد من أبناء الهفوف لافتتاح عدد من المجالس في بعض الأحياء لاستقبال هؤلاء الزوار في يوم الخميس، كما أن توافد عدد من المتسوقين من دول الخليج المجاورة خصوصا قطر والبحرين أسهم في إكساب السوق أهمية كبيرة وزاد من التواصل والترابط بين أبناء دول الخليج. أيضا يحرص عديد من السياح الأجانب على زيارة السوق لاقتناء بعض التحف والأدوات القديمة والتقاط بعض الصور النادرة. تغيير موعد الإجازة الأسبوعية من يومي الخميس والجمعة إلى يومي الجمعة والسبت، تسبب في أضرار كبير للباعة في السوق؛ حيث تراجع أعداد المتسوقين بنسبة 70%، فيما تقلص أعداد الباعة بنسبة 60%، وهذا بحسب استقصاء تقريبي قامت به «الشرق»، بعد أن كانوا يشغلون مساحة السوق التي تتجاوز 40 ألف متر مربع بل تجد عدداً غير قليل من الباعة يعرضون بضائعهم في الأراضي المجاورة خارج السوق بسبب إشغال السوق بنسبة 100%، وذلك بسبب قلة عدد المتسوقين وانخفاض كمية المبيعات، حيث فضل عدد منهم التوقف عن البيع في السوق، فيما انقسم البقية بين يومي الخميس والسبت باعتباره يوم إجازة، إلا أن الوضع لا يزال كما هو من حيث تراجع أعداد المتسوقين وانخفاض كمية المبيعات، مما ينذر بتهاوي خميس الأحساء وتوقفه بشكل نهائي، وافتقاد مورد اقتصادي لعدد من الأسر في المنطقة خصوصا المنتجة منها التي دأبت على تسويق جزء كبير من إنتاجها من الأدوات المصنعة محلياً والمواد الغذائية التي تنتجها في السوق. يرى البائع سليمان الحمدان أن تغيير موعد الإجازة تسبب لهم في خسائر كبيرة، مؤكداً أن عدد المتسوقين تراجع بنسبة 70% فيما انخفضت المبيعات بنسبة 50% تقريباً، وقال: الأحساء منطقة ذات عمق تاريخي اشتهرت بأسواقها الأسبوعية التي تعقد في جميع أيام الأسبوع بدءاً من السبت حتى الجمعة. وأضاف: أعتقد بأن سوق الخميس يتميز عن غيره من أسواق المنطقة بكثرة المتسوقين الذين يشكل الموظفون الحكوميون والطلاب أكثر من 80% منهم؛ فقرار تغيير موعد الإجازة الأسبوعية حرم هؤلاء المتسوقين من ارتياد السوق وتسبب في خسائر كبيرة للباعة. من جهته قدر البائع حسين المضحي عدد مرتادي السوق قبل قرار تغيير موعد الإجازة بأكثر من ستة آلاف متسوق، فيما يتجاوز حجم المبيعات أربعة ملايين ريال، مؤكداً أن السوق يعد الأشهر بين الأسواق الأسبوعية في المنطقة يرتاده عديد من المتسوقين من السعوديين والخليجيين بسبب موقعه المتميز، وموعد انعقاده أحد أيام الإجازة الأسبوعية إلا أن تغيير موعد الإجازة تسبب في تقليص أعداد المتسوقين وانخفاض نسبة المبيعات وهروب عديد من الباعة من السوق. فيما يؤكد المتسوق عبدالله المري من قطر بأنه اعتاد على ارتياد السوق بين الحين والآخر مع الأبناء لاقتناء بعض البضائع من مواد غذائية وملابس وعطور وغيرها التي تباع بأسعار مناسبة قد تقل 60% عن قيمتها في أسواق قطر، وأشار إلى أن السوق اختلف عن السابق خصوصا بعد تغيير موعد الإجازة الأسبوعية في السعودية؛ حيث أدى ذلك إلى تراجع أعداد الباعة والمتسوقين وتقليص مساحة السوق. وطالب المتسوق أحمد المرضي بتطوير السوق والاستفادة منه كأحد المعالم السياحية في المنطقة، وذلك من خلال تهيئة مباسط للباعة وتكييفها وتوفير دورات مياه ومطاعم مناسبة ومراكز تسوق ومواقف للسيارات، كما يمكن إقامة ركن خاص بتاريخ الأحساء يضم بعض الصور للمواقع الأثرية والتاريخية في المنطقة وصور بعض الحرف التي كانت تمارس في المنطقة في السابق، مع إمكانية تمديد وقت التسوق إلى المساء لتعويض الباعة عن تراجع أعداد المتسوقين في الفترة الصباحية. أما المتسوق عبدالعزيز السعد فيؤكد أنه يحرص على ارتياد السوق بين الحين والآخر للبحث عن السلع والأدوات القديمة وبعض أنواع الطيور النادرة التي يجلبها بعض الباعة من خارج المملكة. ويصف السعد السوق بالإرث الحضاري الذي يمثل تاريخ وثقافة المنطقة من خلال اجتماع عدد من المتسوقين من شرائح مختلفة من المجتمع؛ فمنهم الغني والفقير والمسن والطفل والرجل والمرأة وابن المنطقة والسائح الأجنبي في مشهد يعبر عن الألفة والمحبة بين البشر، كل منهم يقتني ما يحتاج من سلع وبضائع معروضة في السوق. وشدد على أهمية الحفاظ على السوق باعتباره يمثل تاريخ المنطقة ومورداً اقتصادياً مهماً لعدد من الأسر في المنطقة. وسوق الخميس وخلال تاريخه الطويل تنقل في عدة مواقع؛ حيث كان في السابق امتداداً لسوق الهفوف «شرق سوق القيصرية»، وكانت تعرض في السوق عدد من المنتجات المحلية كالملابس والأقمشة والمنتجات الصوفية والحطب والتمور والإقط والدهن والمنتجات الخزفية والأدوات الزراعية والأسماك والربيان المجفف. بعد ذلك انتقل السوق إلى خارج أسوار الهفوف عند بوابة الخباز، ومع التوسع العمراني الذي شهدته المنطقة انتقل السوق إلى منطقة عين مرجان في الطريق الفاصل بين مدينتي الهفوف والمبرز؛ حيث بدأ الباعة في عرض بعض المنتجات الحديثة، وذلك تزامناً مع تغير النمط الاستهلاكي للمتسوقين؛ حيث تشاهد الأجهزة الكهربائية والمنتجات الغذائية الحديثة المستوردة إلى جانب المنتجات المحلية من خضار وخزفيات ومنتجات زراعية. ومنذ أكثر من خمسة عشر عاماً تم نقل السوق إلى موقعه الجديد في مجمع الأسواق الشعبية بمخطط عين نجم؛ حيث تقوم بلدية الأحساء حالياً بتنفيذ مجمع حديث للأسواق الشعبية في تلك المنطقة على مساحة تتجاوز 154 ألف متر مربع، وبتكلفة تفوق 125 مليون ريال.