هناك من العرب من ينادي بأن: القضية المركزية الأولى لدى الأمة العربية (وباعتبار أنها أمة نامية) يجب أن تكون «التنمية الشاملة»، في مجالات الحياة العامة الرئيسة: الاقتصاد، الاجتماع، الأمن، السياسة، وفي كل الجوانب المندرجة ضمن هذه المجالات، وليس قضية فلسطين. وتلك مقولة صحيحة، تماما. ولكنها تُقال أحيانا ككلمة حق يراد بها باطل. إن من يقولونها من هذا المنطلق يتجاهلون – بخبث- دور إسرائيل في عرقلة أي تنمية عربية، سواء شاملة أو جزئية. فكأننا لو تركنا إسرائيل تواصل تنفيذ مشروعها، وتركنا الفلسطينيين تطحنهم الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتبيدهم (وقلنا: ما شأننا بحالهم) ستمضي التنمية الشاملة، وتتحول البلاد العربية، في سنوات، إلى دول متقدمة وقوية ومزدهرة..؟! ذلك، بالطبع والقطع، غير صحيح. فإسرائيل، التي تتمركز في وسط الأمة العربية، أثبتت أنها عدو لدود للتنمية الحقيقية الشاملة في البلاد العربية. والشواهد والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى. ونذكر هنا مقولة «بن جوريون»، أول رئيس وزراء لإسرائيل بأنه: يجب على إسرائيل أن لا تسمح بقيام دولة عربية قوية وناجحة. إن الصحيح هو: نعم للتنمية الشاملة أولا، مع الحذر الشديد من إسرائيل، ومقاومة تدخلها، السافر والخفي، في شؤون معظم الدول العربية.. ذلك التدخل الهادف (أصلا) إلى: عرقلة أي تنمية ايجابية في هذه الدول. من ذلك (على سبيل المثال، وليس الحصر) أن بعض عملائها عملوا، في بعض البلاد العربية، على تهريب ونشر الآفات المدمرة لزراعة محاصيل أساسية! إضافة إلى تهريب المخدرات، وأيضا محاولات إسرائيل منع مصادر المياه عن العرب. ومعروف، أن دول مجلس التعاون الخليجي (شعوبا وحكومات) كانت – ولا تزال أغلبها- من أكثر الدول العربية دعما للقضية الفلسطينية، وتأييدا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وقد بذلت هذه البلدان كثيرا من الجهد والمال في سبيل تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه في أرضه. وعلى مدار الستين عاما الماضية، التزمت أغلب هذه الدول (بصفة عامة) بهذه المبادئ، وتمسكت بهذه السياسة، في معظم المحافل، وعلى كل المستويات. وكانت هذه الدول أول من بادر بتأييد التسوية السلمية لهذه القضية، على الرغم مما بها من تنازلات عربية… أي التسوية القائمة على مبادئ وقرارات الشرعية الدولية (بخاصة القرارات الأممية رقم 194 لعام 1948م، و242 لعام 1967م، و338 لعام 1973م). وأعربت عن استعدادها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إن التزمت الأخيرة بالانسحاب من كل الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967م، ومكنت الشعب الفلسطيني من العودة، وإقامة دولته المستقلة (في الضفة والقطاع) وعاصمتها القدسالشرقية. ولكن إسرائيل ترفض – كما هو معروف – حتى هذه المتطلبات، وتعرقل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، عبر إقامة المستوطنات اليهودية في شتى بقاع الضفة الغربية. والرفض الإسرائيلي هذا للسلام المنشود (عربيا وعالميا) يؤكد – وبما لا يدع مجالا للشك – عدوانية هذا الكيان، ورغبته في استمرار الظلم والتوسع والهيمنة. وقد كانت المقاطعة العربية (ويمكن أن تظل) أقوى أسلحة المقاومة العربية في مواجهة العدوان الصهيوني. وهي أداة الضغط العربية الرئيسة.. التي يجب أن تستخدم لجر إسرائيل لقبول التسوية السلمية، رغم أن هذه التسوية تعطي الكيان الصهيوني ثلاثة أرباع فلسطين (كما سبق أن ذكرنا) وتخصص الربع الباقي للفلسطينيين؟! لذلك، تظل هذه «الورقة» هي أفضل وأقوى الأوراق في يد الجانب العربي، في هذه القضية. وأمسى التفريط في هذه الورقة خيانة، وتخاذلا فاضحا، وتهاونا مؤكدا في الحقوق العربية.. عكس ما يقوله «المطبعون» مجانا بأن: تقاربهم مع إسرائيل إنما «يخدم القضية الفلسطينية»..! ويؤخذ على بعض الدول العربية التهاون في استعمال هذه الورقة، ومد جسور تقارب مع إسرائيل، على الرغم من استمرار الصهاينة على سياساتهم العدوانية والإجرامية المعتادة، وعلى مدار الساعة. ولكن، وبصفة عامة، فإن أغلب هذه الدول، وكل شعوبها، تؤيد الحق الفلسطيني، وتعد القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، خاصة أن هذه الدول جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية.. التي لها ذات النظرة تجاه هذه القضية. وأيضا لإدراك أن: دعم القضية الفلسطينية يعني: مقاومة التوسع الإسرائيلي ووقف الهيمنة الصهيونية. وختاما، لقد ابتليت الأمة بهذا الأخطبوط السرطاني (الذى تهون أمامه كل الأخطار الأخرى) وأمسى مقدرا عليها أن تواجهه، وتقاومه، بكل الأساليب الممكنة (ومنها دعم القضية الفلسطينية، دعما لا يتراجع).. إن كانت تريد ضمان بقائها، وحفظ أمنها، وصون كرامتها، وحماية أجيالها المقبلة. فالمعركة مع هذا العدو المتربص تكاد أن تكون «صفرية» النتيجة.. خاصة مع استمرار الكيان الصهيوني على سياساته العدائية والإجرامية المعروفة، التي من ضمنها القيام، من وقت لآخر، بارتكاب مجازر ضد أبناء الشعب الفلسطيني المقهور، في عمليات إبادة جماعية ممنهجة.