أنا رجل من قرية قصر العشروات، وأعيش منذ عقود في مدينة الدمام – قرب البحر- وأحمل بقلبي طفلا يضج بأحلام جبل أجا، متزوج، ومتقاعد من التعليم، وعندي أغلى ابنة في الدنيا (سناء)، وأحبُ رجلين (أيمن وناصر)، وأجملَ امرأة، لي أصدقاء قليلون، لكنهم كنز الزمن، ولي معارف وأقارب كثيرون، هم عزوتي، طبعت 4 مجموعات قصصية حتى الآن، ومتفرغ للقراءة، وأحاول التفرغ للكتابة الإبداعية فقط. بهذه المقدمة الرائعة بدأ القاص والكاتب جبير المليحان التعريف بنفسه في اللقاء الذي أجريته معه قبل شهر رمضان، ونشر في مجلة الخفجي في عددها يوليو/أغسطس 2014 حيث سألته: «لا يخفى عليكم أن تعريف الضيف لنفسه يعد البوابة التي يلج منها القارئ إلى الشخصية، فبما يُعرف الأستاذ جبير المليحان نفسه لقراء مجلة الخفجي؟ أو بعبارة أخرى من أنتم؟». ثم عاد إلى الطفولة قائلا: الطفولة هي الحياة كلها، هي نهر يتجدد في القلب، ويتمدد في الحلم! لك أن تتصور فيضان هذا النهر على حقول الروح! كم يخصبها! كم يغنيها بالأحلام المتجددة التي تقي الضمير من اهترائه وسط زيف الواقع، ووحشته. فيعود إلى وصف الطفولة بقوله: إنها غابة كلما توغلت فيها، وجدت ألوانا جديدة هي فطرة الحياة، ونقاء الدنيا دون وسيط أو آمر. ولما سألته عن نقوش وآثار عهد الطفولة والصبا المطبوعة بقوة في ذاكرته قال: هي المسافة بين الجبل والجبل والبحر وبينهما هذه الصحارى. لقد حملت الجبل بشموخه وقسوته ومجاهله، وجئت إلى بحر لامعا وطريا، لكن عمق زرقته لا تختلف عن غموض الكهوف، أما الصحراء فهي التيه الكبير الذي نتشبث وسطه ببعض النخيلات والشجيرات الضريرة؛ لتستمر أنفاسنا وسط هذه المخاطر. يلوح لي دائما الماء الذي تحمله الغيوم. لم يبق من طفولتي غير نتف من أحلام هاربة أحاول القبض عليها ببعض الكلمات. ثم يلخص المليحان العلاقة بين الطفولة والشيخوخة بقوله: في قلب كل منّا طفل أخضر! ما أن نقمعه حتى يذبل، وتتحول أوراقه وزهوره إلى أغصان نعناع جافة تتفتت في يد الزمن. ثم يصف نفسه بقوله: ما زال الطفل يمرح في داخلي، وهو الذي يهبني الأمل والفرح والسعادة والكتابة، ويصد عني غوائل الشيخوخة التي تغزو الجسد. ويقول أيضا: الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة الإبداعية؛ لاشتراطاتها الصعبة، مثل: معرفة الخصائص النفسية، ومرحل النمو العقلي، والقاموس اللغوي في سنوات الطفولة المتدرجة. ويضيف أنه من متابعته التي يقول إنها تقصر عن متابعة كل ما كتب للطفل لم يجد من وصل لحاجات الطفل في هذا الخصوص، إذ يُبْنَى أغلب ما يكتب على وهم الخزعبلات والجن، وأوهام لا أساس تربوياً وعلمياً لها. إنها كتابة للتجارة والربح، وليس لبناء العقل، وصقل الروح، وحب جمال الحياة بكل مباهجها. ثم يعود إلى بداياته في كتابة القصة فيقول: كتبت القصة وأنا في السنة الثانية المتوسطة، وكتبت قصصا كثيرة جدا فيما بعد في الصحف والمجلات السعودية والخليجية. كنت أتوقف طويلا عن نشر مجموعة قصصية لعدم وجود تشجيع لذلك، فالكتب التي تطبع للأصدقاء مثلا تبقى للفئران في المستودعات. ومع تغير الحال، عدت لأوراقي القديمة، وألغيت كثيرا مما تجاوزته، وتجاوزه الزمن، وبدأت في نشر مجموعاتي، وكان من أولها كتاب «الهدية» الذي طبعته شركة أرامكو السعودية عام 2003، ويضيف قائلا: أولادي هم من جرأني على كتابة القصة الموجهة للطفل؛ كنت آخذهم إلى حديقة النوم عندما تهبط غيمته مداعبة جفونهم الصغيرة. وقتها أقص عليهم ما يخطر في البال حتى يغيبوا في أحلامهم. بعدها أخذت أكتب ما أقول مستندا على خبرتي التربوية، ومعرفتي بخصائص النمو لهذه المرحلة، ووجدت أني أثناء القص، شفهيا أو كتابة أتحول إلى طفل مليء بالمشاعر والأحاسيس الطفولية المجنحة والمنطلقة في الخيال. ثم يعود بالذاكرة إلى طفولته مرة أخرى فيقول: كنت محظوظا بأب قارئ، وأم شاعرة، وخال حكاء، وبيئة خلابة؛ إذ يقع بيتنا الكبير وسط غابة المزرعة، وتقع القرية في كف الجبل الأشم «أجا» ويمتد وادي «الديرع» شرق القرية كحارس أزلي، كانت بيئة محفزة للخيال والأساطير! وما زلت أنهل من تلك العوالم الغرائبية الفطرية الجميلة في كتاباتي. إنها نبع لا يمكن أن ينتهي. يقول المليحان: أشكو من ضيق الوقت؛ فأنا مشغول بالقراءة، ورسم نصوص طويلة، وأتمنى أن يمد الله في عمري لإنجاز ما أحلم بكتابته. وقفة: «تشبث بطفلك حتى لا يشيخ قلبك، وتيبس أوراق روحك» هذه نصيحة جبير المليحان الدائمة لأحبائه!