نجحت ألمانيا أخيراً في معانقة لقب كأس العالم الذي عاندها لمدة 24 عاماً، وتوجت به للمرة ال 4 في تاريخها بأفضل طريقة ممكنة من خلال إحرازها لقب بطلة مونديال 2014 في معقل البرازيل «ماراكانا» وعلى حساب ألد أعدائها الأرجنتين بالفوز عليها 1-0 بعد التمديد أمس الأول في المباراة النهائية. بلغت ألمانيا نصف النهائي في آخر مونديالين، على أرضها في 2006 وفي جنوب إفريقيا 2010، لذلك أصرّ قائدها فيليب لام قبيل نهائيات النسخة ال 20 على أنه سئم الحلول ثالثاً: «لا أريد أن أخرج من نصف النهائي مجدداً، أو أن أذهب إلى البرازيل من أجل حمام الشمس. هدفي واضح، تحقيق أكبر نجاح ممكن وإحراز كأس العالم». وقد نجح لام ورفاقه في «ناسيونال مانشافت» في تحقيق مبتغاهم وتوجوا باللقب عن جدارة واستحقاق لأن المنتخب الذي يسحق برتغال كريستيانو رونالدو (4-0 في الدور الأول) ثم يتخطى البطلة السابقة فرنسا (1-0 في ربع النهائي) قبل أن يذل البرازيل المضيفة ويلحق بها أسوأ هزيمة في تاريخ مشاركاتها في العرس الكروي العالمي (7-1 في نصف النهائي) ثم يتخطى أرجنتين ليونيل ميسي في النهائي يستحق اللقب والتقدير. منذ إحرازها لقبها الأول تحت مسمّى ألمانيا الغربية في سويسرا 1954، ثم الثاني على أرضها في 1974 والثالث الأخير في 1990، لم تنتظر ألمانيا 24 عاماً كما هذه المرة دون تذوق طعم التتويج في الحدث العالمي، لدرجة أن بعض أعضاء الفريق على غرار الموهوب ماريو جوتسه، بطل المباراة النهائية، لم يكونوا قد أبصروا النور في 1990 عندما قاد لوثار ماتيوس تشكيلة المدرب فرانتس بكنباور إلى اللقب. عمل المدرب يواكيم لوف في الماضي على تعزيز التماسك بين لاعبيه، لكن الإصابات ونقص اللياقة البدنية أقلقاه قبل النهائيات: «يجب أن نعمل على المرونة والتنويع. نحن بحاجة دوماً لاستراتيجيات بحال الضرورة خلال المباريات، لكن يجب أن نحسن مرتداتنا بحال استرجاع الكرة. لم نطبق ذلك جيداً على غرار مونديال جنوب إفريقيا والفترة التي تلته». ما هو مؤكد أن لوف ترك بصمته تماماً في المنتخب منذ أن استلم المهمة خلفاً ليورجن كلينسمان بعد مونديال 2006 حين خرجت ألمانيا على أرضها من نصف النهائي، من خلال الاعتماد على تشكيلة متجانسة بين مخضرمين مثل المهاجم المخضرم ميروسلاف كلوزه الذي أصبح أفضل هداف في تاريخ النهائيات بعد أن أضاف هدفين ليرفع رصيده إلى 16 هدفاً في 4 مشاركات، والقائد فيليب لام، وشابة على غرار توماس مولر (24 عاماً) الذي سجل 5 أهداف على غرار جنوب إفريقيا 2010، وماتس هوملس (25 عاماً) ومسعود أوزيل (25) والاحتياطي السوبر أندري شورله (23) والاحتياطي البطل جوتسه (22 عاماً). تخوف الألمان قبل النهائيات من أن تؤثر عليهم الإصابات بعد انسحاب لارس بندر لاعب الوسط الدفاعي ليفقد لوف دعامة لباستيان شفاينشتايجر، والمهاجم ماركو رويس الذي تعرض للإصابة في المباراة الودية التي فازت فيها ألمانيا على أرمينيا 6-1 ودياً قبيل النهائيات. لكن «ناسيونال مانشافت» لم يتأثر بذلك بفضل تألق مولر وشورله (3 أهداف) وكلوزه هجومياً، وبينيديكت هوفيديس وهوملس ولام دفاعياً، إلى جانب شفاينشتايجر وتوني كروس الذي أظهر نضوجاً فريداً من نوعه في هذه النهائيات رغم أنه لم يتجاوز ال 24 لكن ذلك لم يمنعه من التألق في دور صانع ألعاب (4 تمريرات حاسمة) والمسجل أيضاً (هدفان في مرمى البرازيل). والملفت أن ألمانيا لم تتألق في ناحية واحدة بل كانت مميزة دفاعاً وهجوماً، إذ لم تتلق شباكها سوى 4 أهداف في 7 مباريات، فيما سجلت 18 هدفاً. قرر لوف المغامرة هجومياً رغم إصابة كروس، باستبعاد ماريو جوميز عن التشكيلة، فخاض النهائيات بمهاجم صريح واحد هو «العجوز» كلوزه (36 عاماً) إدراكاً منه بالغريزة التهديفية لمولر الذي كان عند حسن ظن مدربه بتسجيله 5 أهداف رفع من خلالها رصيده إلى 10 أهداف في مشاركتين وهو إنجاز كبير للاعب لم يتجاوز ال 24 من عمره، ما يجعله مرشحاً لتحطيم الرقم القياسي الذي خطفه كلوزه من البرازيلي رونالدو في معقل الأخير. لطالما اعتمدت ألمانيا تاريخياً على قادة حقيقيين لمنتخباتها، على غرار شتيفان إيفنبرغ، ميكايل بالاك أو الحارس أوليفر كان، لكن مع لام وشفاينشتايجر بدت القيادة مشتتة على غرار الخسارة في نصف نهائي كأس أوروبا 2012 أمام إيطاليا أو نصف نهائي مونديال 2010 أمام إسبانيا، إلا أن هذا الأمر لم يتكرر في البرازيل التي أظهر فيها صاحب الشارة أنه مستعد لتقديم كل التضحيات الممكنة لبلاده من خلال التنقل بين مباراة أخرى من مركز الظهير الأيمن الذي يشغله عادة إلى وسط الملعب. ما هو مؤكد أن ألمانيا خاضت النهائيات من حيث بدأت التصفيات التي تصدرت فيها مجموعتها دون أن تخسر وامتلكت أقوى هجوم في التصفيات الأوروبية مع 36 هدفاً في 10 مباريات، فأعلنت صراحة نيتها حراز اللقب المرموق لأول مرة خارج حدود القارة العجوز وقد نجحت في تحقيق مبتغاها ورفع الكأس الغالية في أحد أعظم الملاعب الكروية «ماراكانا».