تحلم البرازيل المجردة من نجميها نيمار وثياغو سيلفا بمتابعة مشوارها نحو نهائي مونديال 2014 لنسيان كارثة 1950 من خلال تخطي ألمانيا الباحثة بدورها عن فك عقدة المركز الثالث، وذلك في إعادة لنهائي 2002 عندما توّجت البرازيل للمرة الخامسة. سيكون «استاديو مينيراو» في بيلو هوريزونتي الثلاثاء مسرحاً لأولى مباراتي نصف نهائي كأس العالم المقامة حالياً في البرازيل، بين اثنين من أبرز القوى الكروية العظمى في العالم، المضيفة الباحثة عن لقبها العالمي السادس وألمانيا اللاهثة وراء لقبها الأول منذ 1990 والرابع في تاريخها. حددت البرازيل هدفها باحراز اللقب لنسيان ما حصل في استضافتها المونديالية الأولى في 1950 عندما خسرت المباراة الحاسمة أمام الأوروغواي 1-2 على ملعب «ماراكانا» الشهير رغم ترشيحها لفوز كاسح في ما يُعرف بكارثة «ماراكانزو». سرقت الأوروغواي منها هذا الشرف في تراجيديا وطنية قد تنقلب إلى ملحمة شعبية بحال نجح لاعبو الأصفر والأخضر بخطف لقب سادس لهم في المسابقة الرياضية الأشهر في العالم بعد أعوام 1958 و1962 و1970 و1994 و2002. صفعة مزدوجة خلافاً لنهائي 2002 عندما كانت البرازيل تضم الهداف القاتل رونالدو، يفتقد منتخب «اوريفيردي» أهم لاعبين في صفوفه، الهداف نيمار وقائد الدفاع ثياغو سيلفا. فالاول تعرض لكسر في الفقرة القطنية الثالثة في ظهره قبل دقيقتين على نهاية مباراة الدور ربع النهائي ضد كولومبيا (2-1) الجمعة بعدما ركله المدافع خوان كاميلو تسونيغا بقوة وسيغيب حتى نهاية المونديال، اما مدافع باريس سان جرمان الفرنسي فنال بطاقة صفراء ثانية لخطأ سخيف على الحارس الكولومبي أوقفته عن خوض نصف النهائي. خرج نجم برشلونة الإسباني بخطاب مؤثر حاول أن يحبس دموعه خلاله وهو يوجه دعوة إلى زملائه في «سيليساو» من أجل إكمال «الحلم» بإحراز اللقب: «إنها لحظة صعبة علي ومن غير السهل معرفة ما يجب قوله. حلمي لم ينته. بل تعرقل»، هذا ما قاله نيمار بتأثر في شريط فيديو نشره الاتحاد البرازيلي قبل أن يرحل عن مقر المنتخب. وعلّق سكولاري الذي دعا نيمار للتواجد على مقاعد البدلاء شرط موافقة الأطباء: «يوجد احتياط لدينا. اختار فريقي بعناية، أما الرقم 10 بحال وجوده أو غيابه فسيكون ممثلاً من قبل 200 مليون برازيلي». ويبقى معرفة من سيختاره سكولاري ليعزز القوة الهجومية إلى جانب لاعب الوسط الشاب أوسكار الذي سيحمل عبئاً كبيراً في ظل غياب نيمار. عملاقان كرويان احتفظت البرازيل بكأس جول ريميه إلى الأبد عام 1970 في المكسيك بعد تتويجها في السويد 1958 وتشيلي 1962 بجيل خارق ضم بيليه وجايرزينيو وريفيلينو وتوستاو وجيرسون وغارينشا وكارلوس البرتو وغيرهم، وحملت اللقب النادر في أربع قارات مختلفة بعد أن توّجت في 1994 في الولايات المتحدة و2002 في كوريا الجنوبية واليابان. بعد إقصائها من ربع نهائي مونديال 2010 أمام هولندا، حل مانو مينيزيس بدلاً من دونغا، لكنه عجز عن الإمساك بمنتخب متطلب، فاستجيب لطلب الجمهور وعاد لويز فيليبي سكولاري إلى قواعده، ليقودها إلى لقب كأس القارات 2013 على حساب إسبانيا حاملة لقب مونديال 2010. أما ألمانيا الباحثة عن بلوغ النهائي الثامن لها، فتأمل تخطي نصف النهائي خلافاً للنسختين الأخيرتين لبلوغ النهائي الأول لها منذ 2002 عندما سقطت أمام البرازيل بالذات بهدفي الظاهرة رونالدو. منذ إحرازها لقبها الأول تحت مسمى ألمانيا الغربية في سويسرا 1954، ثم الثاني على أرضها في 1974 والثالث الأخير في 1990، لم تنتظر ألمانيا 24 عاماً كما هذه المرة من دون تذوّق طعم التتويج في الحدث العالمي، لدرجة أن بعض أعضاء الفريق على غرار لاعب الوسط ماريو غوتسه لم يكونوا قد أبصروا النور في 1990 عندما قاد لوثار ماتيوس تشكيلة المدرب فرانتس بكنباور إلى اللقب. تفتقد ألمانيا للألقاب منذ إحرازها كأس أوروبا 1996، فاحتلت وصافة المونديال أمام برازيل رونالدو في 2002، وواظبت على بلوغ المراحل المتقدمة بعد ذلك من دون ذهب. فضلاً عن ألقابها الثلاثة، حلت وصيفة أربع مرات في 1966 و1982 و1986 و2002، وثالثة في 1934 و1970 وفي آخر نسختين عامي 2006 و2010. بلغت ألمانيا نصف النهائي في آخر مونديالين، على أرضها في 2006 عندما خسرت أمام إيطاليا صفر -2 بعد التمديد وفي جنوب إفريقيا 2010 أمام إسبانيا صفر-1 . رغبة ألمانية بالثأر أعرب مدرب ألمانيا يواكيم لوف (54 عاماً)، الذي بلغ نصف النهائي في 4 مسابقات كبرى له مع ألمانيا في غضون ثماني سنوات ويريد السير على خطى سيب هيربرغر (1954) وهلموت شون (1974) وفرانتس بكنباور (1990)، عن سعادته لمواجهة البرازيل متحدثاً عن لقاء «جميل وكبير»: «ما يمكن أن يكون أجمل في أرض الأحلام الكروية من مواجهة مستضيف كأس العالم في الدور نصف النهائي؟ ستكون مباراة كبيرة جداً في بيلو هوريزونتي». وذكر رئيس الاتحاد الألماني وولفغانغ نييرسباخ بنهائي 2002، قائلاً: «لقد ذكرت الفريق بأننا نريد تصحيح تلك النتيجة». ويأمل المهاجم ميروسلاف كلوزه الوحيد الناجي من تشكيلة نهائيات 2002، إصابة عصفورين بحجر واحدة من خلال تسجيل هدفه السادس عشر في النهائيات وتحطيم الرقم القياسي لرونالدو، وهو رأى أن بلاده تملك فرصة كبيرة لرفع الكأس الغالية، مضيفاً «أعتقد أننا نملك فرصة كبيرة لكي نتمكّن أخيراً من الإمساك بها ووضعها بين أيدينا. لكن لا يجب أن نخطو الخطوة الثانية (أي النهائي) قبل أن نخطو الأولى». وسجّل كلوزه (36 عاماً) خمسة أهداف في مونديال كوريا الجنوبية واليابان عام 2002 ومثلها في مونديال ألمانيا 2006 عندما توّج هدافاً له، قبل أن يوقّع 4 أهداف في النسخة الماضية، في جنوب إفريقيا 2010 وهدفاً في النسخة الحالية. وكلوزه هو أفضل هداف في تاريخ المنتخب الألماني برصيد 70 هدفاً في 135 مباراة، متقدماً على غيرد مولر الذي سجّل 68 هدفاً لكن في 62 مباراة فقط، كما أنه يحتل المركز الثاني من حيث أكثر اللاعبين مشاركة مع «ناسيونال مانشافت» خلف لوثار ماتيوس الذي خاض 150 مباراة من 1980 حتى 2000. وتحدث القائد فيليب لام الذي كان مع المنتخب حين انتهى مشوار الأخير في نصف نهائي 2006 و2010، قائلاً: «أنا حقاً لست بحاجة إلى ذلك (أن يعيش تجربة المركز الثالث مجدداً). أريد حقاً أن استبعد حصول هذا الأمر». وواصل «نريد المزيد دون أدنى شك، هذا لم يكن ظهورنا الأخير في ريو»، في إشارة منه إلى مباراة ربع النهائي ضد فرنسا والتي أقيمت على ملعب «ماراكانا» في ريو دي جانيرو، حيث ستُقام المباراة النهائية الأحد المقبل. وتألق الحارس مانويل نوير وقلب الدفاع هوملس ولاعب الوسط طوني كروس ليشكلوا العامود الفقري لألمانيا بعد أن كانت الآمال معلقة على لاعبي الوسط باستيان شفاينشتايغر ومسعود اوزيل ولوكاس بودولسكي وماركو رويس قبل إصابته على أبواب المونديال. أثبت نوير (28 عاماً) أنه بين أفضل حراس المرمى في العالم حالياً، فلم يخطئ أمام فرنسا بعدما لعب دور «الليبيرو» أمام الجزائر مذكراً بالقيصر فرانتس بكنباور، وأنقذ فريق المدرب يواكيم لوف من كارثة أمام إسلام سليماني ورفاقه. تخوف الألمان من إصابة هوملس (25 عاماً و1.92م) بالإنفلونزا، لكن رد عملاق بوروسيا دورتموند الذي تبحث عنه معظم الأندية الطليعية، كان مدوياً. حلق في العالي «مبتلعاً» رافايل فاران وأطلق رأسية عجز عنها الحارس هوغو لوري. بتمريرته الحاسمة الثالثة في البرازيل بعد ركنية البرتغال وعرضية غانا لاوزيل، أكد كروس (24 عاماً) موقعه الأساسي في تشكيلة لوف، وأصبح ثاني أفضل ممرر بعد الكولومبي خوان كوادرادو. طريق متعرّج مشوار البرازيل نحو النهائي لم يكن سهلاً، فبعد بداية جيدة أمام كرواتيا (3-1) سقطت في فخ التعادل أمام المكسيك (صفر- صفر)، قبل أن تتصدر مجموعتها بفوز كبير على الكاميرون المتواضعة 4-1. وفي الدور الثاني، كانت قريبة من الخروج، إذ احتاجت إلى ركلات ترجيحية تألق فيها حارسها جوليو سيزار لتتخطى تشيلي 3-2 بعد تعادلهما 1-1، وفي ربع النهائي عاشت صراعاً قوياً مع كولومبيا إحدى مفاجآت البطولة قبل أن تتخطاها 2-1 بهدفي قلبي الدفاع سيلفا ودافيد لويز من ضربة حرة رائعة. أما ألمانيا، فبدأت بقوة عندما سحقت برتغال كريستيانو رونالدو (4- صفر) بينها ثلاثية لتوماس مولر، تعادلت مع غانا (2-2) عندما كادت تخسر لولا الهدف الخامس عشر في النهائيات لميروسلاف كلوزه، وفازت على الولايات المتحدة (1- صفر) بهدف توماس مولر التاسع في المونديال. في ثمن النهائي، ثأرت لخسارتها أمام الجزائر قبل 32 عاماً وردت لها الدين عندما هزمتها بشق الأنفس 2-1 بعد التمديد، ثم استمرت عقدتها لفرنسا وأثبتت واقعيتها بفوز ضيق 1- صفر من خلال رأسية قلب الدفاع ماتس هوملس، لتصبح أول دولة تبلغ نصف النهائي في أربع نسخ متتالية. أفضلية برازيلية والتقى الفريقان 21 مرة فازت البرازيل 12 مرة وألمانيا 4 مرات وتعادلا خمس مرات، واللقاء الوحيد بينهما في كأس العالم كان نهائي مونديال كوريا الجنوبية واليابان عندما فازت البرازيل 2- صفر. وفي المسابقات الرسمية التقيا مرتين في كأس القارات، ففازت البرازيل 4- صفر في الدور الأول عام 1999 و3-2 في نصف نهائي 2005. ويعود اللقاء الأول بينهما إلى 5 ايار - مايو 1963 عندما فازت البرازيل 2-1. ولم تخسر البرازيل على أرضها في المسابقات الرسمية منذ 39 عاماً، وتحديداً منذ عام 1975 حين سقطت في بيلو هوريزونتي أمام البيرو 1-3 في ذهاب الدور نصف النهائي من كوبا أميركا (أقيمت البطولة حينها بنظام مسابقات الدوري) قبل أن تفوز إيابا 2- صفر دون أن يجنبها ذلك الخروج من المسابقة، علماً بأن خسارتها الأخيرة على أرضها على الصعيد الودي تعود إلى عام 2002 ضد الباراغواي في مباراة خاضها المدرب الحالي سكولاري بتشكيلة رديفة لأن «اوريفيردي» كان قد توّج للتو بلقب مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان. وأشار النجم البرازيلي رونالدو، هداف نسخة 2002، إلى أنه مرتاح لمواجهة بلاده لألمانيا عوضاً عن فرنسا: «أفضل أن تتواجه البرازيل مع ألمانيا في نصف النهائي لأن فرنسا كانت بمثابة الكابوس بالنسبة لنا في كأس العالم».