أثارت التصريحات التي أطلقتها أمانة الأحساء، قبل أيام، حول تحضيراتها لإزالة مبان آيلة للسقوط في حي الكوت مخاوف المختصين والمهتمين بالآثار. وهي مخاوف تتكئ على أن الكوت يعد من أهم مناطق الأحساء أهمية أثرية، ويضم عديداً من القلاع والقصور مثل قصر إبراهيم وبيت البيعة. فيما حذرت هيئة السياحة والآثار من المساس بأي أثر تاريخي، معتبرة أن نظام الآثار الصادر من مجلس الوزراء يحمي الآثار ويمنع التعدي عليها. وهو ما دفعها لعمل شراكة مع عدة جهات للقيام بحماية وصيانة الآثار في محافظة الأحساء. حي الكوت هو منبع أهل العلم والأدب في تاريخ الأحساء القديم، وموقع لأقطاب النهضة العلمية والأدبية، احتضن أجل الأسر وأكرمها وسجل لهم أروع صور الترابط والتكافل والمحبة والوفاء.. وخلد في صفحات التاريخ أجمل الذكريات للحياة الأسرية والاجتماعية، وهو من أعرق أحيائها، ويقع فيه قصر إبراهيم الأثري المبني سنة 840ه، وقد شهد هذا القصر حدثاً تاريخياً خالداً؛ إذ استطاع الملك عبدالعزيز آل سعود السيطرة عليه في أول يوم استرجع فيه الأحساء من العثمانيين. ويعد الكوت أقوى القلاع وأكثرها تحصيناً؛ فهو محصن من جهاته الأربع بأسوار محكمة البناء وأزيلت سنة 1376ه، وأول من حصن قلعة الكوت وبنى أسوارها هم الولاة العثمانيون في نهاية القرن العاشر الهجري، واتخذوا من الكوت مقراً لإقامتهم فبنوا فيه المساجد والجوامع والدور الحكومية والقصور، وظل الحي مقراً لكرسي حكم ولاية الأحساء إلى أن زال حكم الأتراك سنة 1081ه. ولما قبض بنو خالد على زمام الحكم في هذا التاريخ جعلوا مقر إقامتهم في مدينة المبرز، وحين زالت دولتهم اتخذ السعوديون من الكوت مقراً لكرسي إمارة الأحساء التابعة لدولتهم وذلك سنة 1208ه، ولم يزل الكوت قاعدة الحكم الإداري حتى يومنا. ويتكون من مسجد القبة ومقصورة القيادة وحمام بخاري وجناح للخدمة ودورات مياه ومستودع للذخيرة وأبراج وغرفة للاتصالات. وضمن مراحل ترميمه أضيف إليه بعض الملحقات بتكلفة بلغت 5 ملايين و331 ألفاً و150 ريالاً لتحويله لمركز دائم للتراث والثقافة ومعلم من المعالم السياحية بعد افتتاحه لأول مرة من قبل الإدارة العامة للتربية والتعليم في الأحساء في 6/4/1423ه بمناسبة مرور 20 عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- مقاليد الحكم في البلاد، وتزامناً مع انطلاقة مهرجان الشرقية للسياحة 2002م؛ حيث أقيم فيه سوق هجر التراثي ليشكل داعماً للسياحة ومشجعاً للمستثمرين على استثمار المواقع السياحية، خصوصاً أن عديداً من المباني الأثرية تم ترميمها وتهيئتها لهذا الغرض بملايين الريالات. ويمثل قصر إبراهيم المركز الرئيس لإدارة الحكم في شبكة الدفاع بالأحساء قديماً؛ حيث كانت تقيم فيه حامية عسكرية بصفة دائمة، وفي الوقت نفسه كان بمثابة المقر الإداري الرئيس للحكومة، وكان يشكل جزءاً من سور المدينة الشمالي، الذي تم بناؤه في الفترة العثمانية ما بين عام 956 ه وعام 1091ه، وتم تطوير المنطقة المحيطة به وأصبحت مركزاً إدارياً للحكومة الإقليمية، ولا تزال مقراً للحكم الإداري. ويرجع تاريخ بناء القصر الذي تبلغ مساحته 16500م إلى عهد الجبريين الذين كانوا يحكمون الأحساء قبل قدوم العثمانيين ما بين عام 840ه وعام 941ه، وقام العثمانيون في حملتهم الأولى باحتلاله وأصبح مقراً لمائة وخمسين فرداً من العسكر، بعد ذلك شهد القصر حدثاً تاريخياً مهماً وخالداً؛ إذ استطاع الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- السيطرة عليه وما فيه من جنود وعتاد في أول يوم استرجع فيه الأحساء من قبضة العثمانيين، وكان ذلك في ليلة الإثنين 5 /5 /1331ه، وبذلك أصبحت القلعة شاهد إثبات على نقطة التحول بين فترتين زمنيتين متباينتين بين الحكم العثماني الذي انتشرت فيه الفوضى والظلم وفترة العهد السعودي الذي ساد فيه العدل والأمن في ربوع الأحساء وغيرها من مناطق المملكة. وهو من أهم المعالم في الحي، قام ببنائه الشيخ عبدالرحمن بن عمر الملا قاضي الأحساء عام 1203ه إبان حكم الإمام سعود -يرحمه الله-، وشهد قدوم الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- ليلة 5 /5 /1331ه لفتح الأحساء، واستقر في هذا المنزل، وبات في إحدى غرفه التي شهدت أول لقاء بين الملك عبدالعزيز والشيخ عبداللطيف الملا، ومن ثم مبايعة أهالي الأحساء له على كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولم تطلع الشمس حتى بايع سكان الهفوف كافة الملك عبدالعزيز في هذا المنزل الذي يعد نموذجاً للعمارة التقليدية، وتقدر مساحته بنحو 705 م2، وقامت وزارة التربية والتعليم بترميمه ترميماً كاملاً وتسلمته منها الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ ليكون معلماً من المعالم الأثرية البارزة في هذه المنطقة العريقة. وكان الأهالي قد تقدموا بشكاوى بوجود مبانٍ قديمة طينية آيلة للسقوط، وذلك في حي الكوت بمدينة الهفوف، في الوقت الذي تم تقديم عديد من البلاغات المطالبة بإزالتها وذلك لأمانة الأحساء، وتشكل تلك المباني خطورة بالغة على المارة وسكان الحي في أي وقت، علماً أن أنظمة البلدية تسن الإزالة على أصحاب المنازل أنفسهم، بيد أن أصحاب المنازل لم يكترثوا ورغم إبلاغهم لكن دون جدوى. بيد أن مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام المتحدث الرسمي للأمانة بدر بن فهد الشهاب تحدث عن دور أمانة الأحساء في إزالة المباني الآيلة للسقوط، وما العقبات التي تواجهها في ذلك فقال: تعمل أمانة الأحساء ووفق برامجها وخططها الخدمية وبشكل مستمر على حصر ومعالجة الجوانب المتعلقة بالمباني الآيلة للسقوط عن طريق لجنة مخصصة لذلك تضم في عضويتها أعضاء من (المحافظة، الأمانة، مديرية الشرطة، إدارة الدفاع المدني). وقال: تُباشر اللجنة أعمالها من خلال عدد من الضوابط والتعليمات وفق خطوات تشمل (الرصد ويتم من خلاله رصد المباني الآيلة للسقوط عن طريق بلاغات الأفراد أو إدارة الدفاع المدني أو الجولات الميدانية لأفراد اللجنة المشكلة، التقرير الفني ويتم من خلاله معاينة العقار وتحرير تقرير فني لتصنيف المبنى، التصوير الفوتوجرافي للمبنى، إشعار مالك العقار بالتقرير الفني، والتوصيات التي تضمنها ويكون ذلك باستدعاء المالك شخصياً وفي كثير من الحالات يتم الاستعانة بعمدة الحي للتعرف على مالك العقار)، مع أهمية الأخذ في الاعتبار التأكد من القيمة التاريخية والمعمارية للمباني الآيلة للسقوط بالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، انطلاقاً من الحفاظ على التراث وهوية المنطقة. إلى ذلك، قال مدير مكتب الآثار في الأحساء وليد بن عبدالله الحسين إن نظام الآثار الجديد الذي صدرت الموافقة عليه مؤخراً من مقام مجلس الوزراء تتضمن بنوده كل ما يحفظ ويحمي الآثار الثابتة والمنقولة، ويمنع التعدي عليها، ويؤخذ ذلك في الاعتبار عند العمل على مشاريع التطوير والتنمية من جميع الوزارات والمصالح الحكومية تحقيقاً للأهداف التي صدر نظام الآثار من أجلها، وقد قام قطاع الآثار بمسح تلك المناطق منذ عام 1396ه وحصر المباني والمعالم التي تصنف كآثار، وتمت المحافظة عليها وترميمها وتصنيفها وتأهيل بعضها كمتاحف مفتوحة للزيارة في حي الكوت وغيره من الأحياء التاريخية في الأحساء منها القصور الأثرية والمنازل التي شهدت أحداثاً تاريخية ومساجد ومدارس العلم الشرعي والأربطة. ويقوم فرع الهيئة في الأحساء بالتنسيق مع أمانة الأحساء كشريك استراتيجي في هذا الشأن، وبذل كل ما يحقق التكامل للحفاظ على كل ما هو مميز من مباني حي الكوت، والإبقاء عليها في إطار صون الأرواح والممتلكات والحفاظ على أقصى ما يمكن من النسيج العمراني التقليدي في الحي ضمن مشروع تطوير وسط الهفوف التي تعمل الأمانة على تنفيذه. وقال الحسين: تتعامل الهيئة مع الملكيات الخاصة وفق مواد وبنود نظام الآثار الجديد. من جهة أخرى قال الباحث في شؤون الآثار خالد بن أحمد الفريدة: أعتقد أن اللجنة المشكلة ينقصها عضو من هيئة السياحة والآثار لتحديد المباني ذات السمات المعمارية المتميزة، وهم أقدر جهة يمكن أن توصي بإلإزالة من عدمه، كما أنه إذا كانت تمثل خطراً واضحاً وجلياً على الناس فلا بأس من إزالتها، أما إذا كانت عكس ذلك فلا بد من الحفاظ عليها، أو على نماذج منها على الأقل، لكي ترصد وتسجل تاريخ هوية المنطقة المعمارية وتطورها. وأضاف الفريدة: إن استغلالها يعد رافداً مهماً لاقتصاد البلد، ومنه توفير فرص للعمل، ولعل مشروع خادم الحرمين للعناية بالتراث له إسهامات سوف ترى النور قريباً. وقال: أتمنى أن تكون منطقة الأحساء وحي الكوت والنعاثل من المواقع التي يشملها هذا التوجه الرائع وعدم التسرع في الإزالة، بل وضع دراسة لاستغلال هذا الإرث التراثي الثقافي المعماري.