شدد الناقد الدكتور سعد البازعي، على أن الجوائز الأدبية غير بعيدة عن التسييس والأيديولوجيا، وقال: ليست هناك جائزة غير مسيسة ومؤدلجة، ولكن ما المقصود بالتسييس والأدلجة، التي غالباً ما تحمل معاني سلبية. وأوضح البازعي، خلال مشاركته في أمسية بعنوان « الجوائز الأدبية وآثارها: البوكر نموذجاً» أقامتها ديوانية الملتقى الثقافي في محافظة القطيف مساء أمس الأول، أن الجوائز عندما تنظم يكون الهدف المعلن لها هو دعم الثقافة أو الأدب وتكريم المبدعين، لكنْ هناك دافع آخر، غير أنه ليس سيئا بالضرورة. وقال إن بعض الجوائز تتجه لمنتج معيَّن يؤدي غرضا محددا يحقق رؤية صاحب أو المؤسسة التي تمنح الجائزة، وهذا يؤثر في ثلاثة عوامل، هي: اختيار الحقول التي تتحكم فيها دوافع فكرية وسياسية واقتصادية وآيديولوجية، واختيار لجنة التحكيم التي تتأثر بهذه الدوافع، وأخيراً عملية التحكيم، التي تتأثر بشكل أو بآخر بهذه النوازع. وضرب البازعي، الذي ترأس لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر العربية) هذا العام، مثالا بالجوائز التشجيعية والتقديرية التي تمنحها الدول، متسائلاً: «من يمنحها؟»، وأجاب: تمنحها لجان تسير وفق ضوابط عامة للدولة، فإذا كان الكاتب معارضا ففي الغالب لا ينال الجائزة، وإذا كان له توجهات يرفضها المجتمع فمن الصعب أن يفوز بها. وكان البازعي قد أشار في بداية حديثه إلى أن كثيراً من الممارسات الثقافية تغلب عليها النظرة المثالية، مضيفا: «عندما نتحدث عن الجوائز نتحدث عنها من حيث هي حوافز للثقافة والإبداع ولا تخطر ببال كثيرين الجوانب الآيديولوجية والسياسية التي كثيرا ما تؤثر في نشوء الجوائز وفي منحها، وهذا في الحقيقة جزء من تركيبة الثقافة بشكل عام، والثقافة تتحرك ككل المنتجات البشرية بفعل دوافع مختلفة»، لافتا إلى أن الجميع متأثر بدوافع، سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو قوى أيديولوجية، وليس هناك أحد بمقدوره أن يدعي أنه خال تماماً من تلك الدوافع. وحول الرواية الفائزة بجائزة «البوكر» هذا العام، «فرانكشتاين في بغداد» للعراقي أحمد سعداوي، أشار البازعي إلى أن من يقلل من هذا العمل ويذكر وجود بعض الأخطاء التحريرية، يستغفل أن في هذه الرواية قيما روائية تعلو بها على الروايات الأخرى، وتتميز بأنها مخزن لأساليب سردية متعددة. وشارك في الأمسية إلى جانب البازعي، كل من الروائي الكويتي طالب الرفاعي (رئيس لجنة الجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2009م) والكاتب السعودي عبدالله العبدالمحسن، وأدارها الزميل الصحافي علي سعيد. وقال الرفاعي أثناء حديثه في الأمسية: «أنا مع أن تكون هنالك ألف جائزة أدبية عربية»، مشيراً إلى أنه قضى مع الفنانين والكتَّاب والقصاصين أربعين عاماً، ولم ير أتعس من أوضاعهم، وأكثر ألما من حالهم، «كل الكتَّاب العرب.. يعملون ثلاثة أو أربعة أعمال كي يعيشوا»، وبالتالي أن يحصل أي منهم على جائزة أياً كانت قيمتها أو كانت مسيسة أو بلجان تحكيم بائسة، هي رفعٌ للكاتب والأديب وتعلن عنهم، لافتا إلى أن هناك «كتابا كتبوا وماتوا ولم يسمع عنهم أحد»، مشدداً على أن الجوائز العربية بمجملها هي إضافة للمشهد الثقافي العربي. وأوضح أن أقل الميزانيات في الدول العربية تذهب إلى الثقافة، «وهي في آخر سلم الأولويات»، وليست موجودة في أي أجندة سياسية في الدول العربية. وحول تجربة جائزة «البوكر»، قال إن الجائزة متميزة، معللاً: «تعودنا أن فلانا فاز بالجائزة لكن كيف فاز؟ نافس مَنْ؟ ومن حكم الجائزة؟ كل هذا لا نعلمه، والناشر هو من يرشح الرواية، والعالم العربي بدأ يستفيق على شيء اسمه الروايات المرشحة في (القائمة الطويلة)». وعن مدى مساهمة جائزة «البوكر» في تغيير الصورة النمطية عن الروائي الخليجي، بعد تكرار فوزه بها، أوضح الرفاعي أن هناك من يرى أن الخليجيين أقل من أن يكونوا عرباً فيما يخص الأدب والثقافة، والمشكلة عندما يأتي هذا الرأي من مثقف، مبينا أن عبده خال لا يقل عن أي روائي عربي، ولا سعود السنعوسي، ولا رجاء عالم. من جانبه، قدم العبدالمحسن ورقة بعنوان «الجوائز الأدبية بين القبول والرفض»، أوضح فيها أن الرافضين وجدوا أن الجوائز ساهمت في تضخم فيض الإنتاج الأدبي على مدار العام، واحتشاء الساحة الأدبية بأقلام جديدة في عجلة من أمرها. وأوضح أن تأثير الجوائز لا يقتصر على الكتَّاب ومؤلفه فقط، بل يتخطاهما ليشمل الناشر، الذي يعد أكبر المستفيدين، لأن الجائزة تمثل أكبر إعلان ترويجي للكتاب.