مشهدُ صاحبِ الدّكّان -قديماً- وهو يَرُشّ الماء على جنباتِ محلّه مع انطلاقة الصباح الباكر -في إشارةٍ إلى مفهوم التوكل على الله- اندثر ولم يعُد يُصرّ عليه سوى حلاّق حارتنا البائس، حتى أنّه لينْطََلِقُ إلى عَمَلِهِ بعد الثّامِنةِ فيفوته وقتُ تقسيم الأرزاق! قد شاع مفهومٌ مفادُه أن الموظّف يخرُجُ هائِماً على وجهه صباحاً مُتأكّداً هُبُوطَ الرّزقِ من السّماء في اليوم الخامس والعشرين من كلّ شهر! وأنّ التوكّل على الله محصور على من يكدّ من النّاس مثل أصحاب “التكاسي”، والعمّال اليَومِيّين، فهُم يبْدَؤُون صباحاتِهم بالتوكّل على ربّ الأرزاق سائلين إيّاهُ التوفيقَ، والتيسيرَ بالرّزقِ الحلالِ، والتّوفيرِ بعدَ العيشِ اليسير! لا أعتقد بصواب هذه النّظرة، فالموظّف إذا استحقّ الترقية، فلا يدري هل ستأتيه أم لا؟ قد تتأخر كثيرا وقد تنعدم! وهو بهذا من أشد المتوكّلين على الله! إذا تسلّط مديرُه عليه، يَصبِرُ، بينما من يَكدُّ على “التكاسي”-مثلا- لا رئيس عليه ولا مرجِعَ سوى بعض الشّغب مع رجال المرور! والموظّف متوكّلٌ في هذه أيضا على الله صابر على الظلم! يجلسُ يوميّا بالسّاعات على اليوتيوب والفيس بوك وهو بهذا متوكّل على الله منصبٌّ على تحليل قضايا الأمة أو حتى التّرفيه عن نفسه؛ وهنا يتحقّق التوكّل الكامل المنافي للتواكل! إذا مرِض يلْزمُهُ إجازة؛ فيتوكّل على ربّه مبديا الأسباب لرئيسه فربّما قَبِلَها مِنْهُ، ولربّما قُوبِل بالخَصْم والحَسْم، وصاحبُ العمل الحُرّ لا مُديرَ يرأسُه ولا طَلَبَ إجازةٍ، فهو مُديرُ نفسِه، أين المتوكّل منهم على الله حق التوكل؟ قد يكون لا أحد! قولوا لي: “تَوكَّّلْ أنت على الله”، وسألتزم!