فرض لويس سواريز نفسه من أبرز نجوم مونديال جنوب إفريقيا 2010 حتى الآن بعد أن أعاد عقارب الساعة الأوروجويانية 40 عاما إلى الوراء بقيادة "لا سيليستي" إلى الدور ربع النهائي للمرة الأولى منذ 1970. وتقمص مهاجم أياكس أمستردام الهولندي شخصية فيكتور ايسباراغو الذي كان بطل تأهل الأوروجواي إلى نصف النهائي عام 1970، حين كان نظام البطولة يقضي بتأهل متصدر وثاني المجموعة إلى ربع النهائي بسبب مشاركة 16 منتخبا فقط، بتسجيله هدف الفوز على الاتحاد السوفييتي 1-صفر بعد التمديد؛ ليقود "لا سيليستي" إلى موقعة نارية مع برازيل بيليه وجيرزينيو وغيرسون وكارلوس البرتو وريفيلينو؛ فكانت الغلبة ل"سيليساو" 3-1؛ ليسقط حلم الأوروجويانيين بالعودة إلى منصة التتويج ورفع رصيدهم إلى ثلاثة ألقاب بعد أن توجوا أبطالا لنسختي 1930 و1950. اعتقد الجميع أن كوريا الجنوبية ستجر الأوروجواي إلى التمديد، لكن سواريز الذي افتتح التسجيل ل"سيليستي" كانت له كلمته؛ فاستلم الكرة على الجهة اليسرى لمنطقة المنتخب الآسيوي وتلاعب بمدافعين قبل أن يطلقها "قوسية" من حدود المنطقة إلى الزاوية اليسرى للمرمى، موجها الضربة القاضية لحلم "محاربي التايغوك" بمواصلة المشوار نحو تكرار سيناريو 2002 عندما فاجؤوا الجميع بوصولهم إلى نصف النهائي على حساب إيطاليا وإسبانيا قبل أن يسقطوا أمام العقبة الألمانية. وأكد سواريز (23 عاما) أنه قناص من الطراز الرفيع، وقد شكّل شراكة رائعة مع مهاجم اتلتيكو مدريد الإسباني دييغو فورلان بعدما سجّل الاثنان 5 من الأهداف السبعة التي سجلها الأوروجواي في المباريات الأربع التي خاضتها حتى الآن، وهو يأمل بأن يواصل تألقه، وأن يجدد الموعد مع الشباك للمرة الرابعة في النسخة الحالية عندما تتواجه الأوروجواي مع غانا في الدور ربع النهائي الجمعة المقبل في جوهانسبرج. وقال: "أنا مهاجم؛ لذلك أحاول تسجيل الأهداف، ومن المثير أن تساعد أهدافي الفريق في هذه المناسبات، وهذا مهم، لكن الأهم هو أننا ضمنا التأهل إلى دور الثمانية". هذا ما قاله سواريز في حديث إلى موقع الإتحاد الدولي بعد إنتهاء المباراة أمام كوريا الجنوبية. ولم يستطع سواريز إخفاء الإجهاد الذي ألمّ به بعد معركة "نلسون مانديلا باي" مع المنتخب الآسيوي العنيد، وأكد أن مواجهة الكوريين لم تكن سهلة، ولا في المتناول، بل تطلبت منه ومن زملائه مجهودا جبارا، مضيفا "كنا نعلم أن المباراة لن تكون سهلة. هدأ الهدف المبكر من روعنا بعض الشيء، لكننا حاولنا الحفاظ على التقدم في الشوط الثاني، وتراجعنا إلى الوراء، وهو ما استغله الكوريون على أحسن وجه. لقد عانينا الأمرين، لكننا أدركنا بعد هدف التعادل أن علينا العودة إلى أسلوب البداية، واستطعنا الفوز لحسن الحظ". وعن هدف الفوز الرائع الذي سجله هداف أوروبا للموسم المنصرم (49 هدفا في جميع المسابقات)، قال: "لقد كان هدفا جميلا، أليس كذلك؟ عندما توغلت إلى الداخل لم يكن هناك حل سوى التسديد نحو المرمى.. لم أكن أحاول وضع الكرة بهذه الطريقة، لكن الأمر المضحك أنني سجلت هدفا مماثلا العام الماضي مع أياكس. أنا أقول لكم هذا الأمر لكي لا يدعي البعض أن الهدف جاء بمحض المصادفة!". وعما يتوقعه سواريز في الدور ربع النهائي وما بعده قال هداف أياكس: "لقد حققنا الهدفين الأولين، ونحن سعداء بهذا الأمر، رغم أنه يتعين علينا التعامل مع كل مباراة على حدة. لقد وصلت المنتخبات إلى جنوب إفريقيا وكلها أمل في البقاء حتى مباراة النهائي، لكن لم يتأهل بعد دور المجموعات إلا 16 منتخبا، وقد أصبحنا الآن بين المنتخبات الثمانية الأفضل؛ لذلك سيكون هدفنا الآن الفوز باللقب". ومن المؤكد أن سواريز يأمل أن يصبح أول هداف أوروجوياني في النهائيات؛ لأنه يتصدر الترتيب حاليا مشاركة مع غونزالو هيغواين (الأرجنتين) وروبرت فيتيك (سلوفاكيا) ودافيد فيا (إسبانيا) وجيان اسامواه (غانا) ولاندون دونوفان (الولاياتالمتحدة)، ويملك بالطبع المؤهلات اللازمة لتحقيق مبتغاه؛ لأنه يتمتع بالحاسة التهديفية إلى جانب المهارات الفردية المترافقة مع التسديدات المحكمة وتفوقه في الكرات الهوائية. ولم يكن سواريز قد تجاوز الحادية عشرة من عمره عندما رحل عن مدينة سالتو التي وُلِد فيها متوجها إلى العاصمة مونتيفيديو؛ ليلتحق بصفوف ناشئي نادي ناسيونال صاحب الاسم والتاريخ الكبير، وهناك صقل مهاراته وخاض أولى مبارياته مع الفريق الأول في أيار - مايو عام 2005، وكانت ضمن مسابقة كأس ليبرتادوريس ضد جونيور بارانكيا. وفي الموسم الوحيد الذي لعبه كاملا مع ناسيونال في الدوري (موسم 2005-2006) أحرز 12 هدفا، ساعد بها فريقه ليظفر باللقب في ذلك العام، ووضعه هذا الإنجاز تحت مجهر نادي جرونينغن الهولندي الذي تعاقد معه منتصف عام 2006، أي بعد عام واحد تقريبا من ظهوره لأول مرة في الدوري الأوروجوياني. ولم يسمح له غرونيغن عام 2007 بالمشاركة مع منتخب بلاده للشباب في بطولة أمريكا الجنوبية المؤهلة لكأس العالم تحت 20 عاما، لكنه بعد شهر واحد نال شرف اللعب مع منتخب الكبار لأول مرة، عندما أشركه أوسكار تاباريز لاعبا أساسيا في مباراة ودية ضد كولومبيا (3-1)، إلا أن الذكرى التي خرج بها من ذلك اليوم لم تكن سعيدة؛ فقد طُرد من المباراة قبل نهايتها بخمس دقائق. وبعد أن سجّل 14 هدفا في 35 مباراة لعبها مع غرونينغن قرر سواريز أن يختبر حظوظه مع أياكس العريق، لكن قبل أن يبدأ مشواره الفعلي مع النادي الهولندي الكبير توجّه إلى كندا وشكّل ثنائيا هجوميا مع ادينسون كافاني في كأس العالم دون 20 عاما؛ حيث سجل هدفين، أحدهما في دور ال16 الذي خرجت منه الأوروجواي على يد الولاياتالمتحدة (1-2) بعد التمديد. ولجأ تاباريز إلى خدماته وجعله من الركائز الأساسية منذ بداية التصفيات المؤهلة لجنوب إفريقيا 2010، وأثبت سواريز أن الثقة التي وضعها به مدربه كانت في محلها بتسجيله هدفين، أحدهما في مرمى بوليفيا في افتتاح التصفيات، والآخر في مرمى تشيلي في الجولة الثالثة. كما أكد أنه صفقة ناجحة لأياكس أيضا؛ حيث سجل 20 هدفا في موسم 2007-2008، و28 هدفا في موسم 2008-2009، ثم 49 هدفا في موسم 2009-2010؛ ليحصل على جائزة أفضل هداف أوروبي؛ فعزز مكانته في تشكيلة تاباريز، ومن بين المباريات العشرين التي خاضها منتخب الأوروجواي في التصفيات لم يغب إلا عن مباراة واحدة أمام بوليفيا بسبب الإيقاف. وفي الطريق إلى جنوب إفريقيا 2010 هزّ سواريز أيضا شباك فنزويلا وكولومبيا والإكوادور، ولم تقتصر مساهماته على إحراز الأهداف (13 هدفا في 34 مباراة دولية حتى الآن)، بل أثبت أيضا براعته في الأداء الجماعي بوصفه لاعبا يتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة إلى الفريق ككل. ومن المؤكد أنه سيكون من الصعب جدا على أياكس أمستردام (نادي المواهب الشابة) أن يحتفظ بخدمات قائده الأوروجوياني فترة طويلة؛ حيث إن أندية آرسنال وتشلسي وليفربول ومانشستر سيتي الإنجليزية تتنافس للظفر بتلك الموهبة.