الناصفة.. الكريكشون.. حل وعاد.. النافلة.. مسميات تعددت؛ لكن الغرض واحد، الاحتفال بليلةِ النصف من شعبان، ترابط اجتماعي، وكرنفال شعبي ضخم، يعيد الأصالة الخليجية إلى جذورها البسيطة بعد أن اقتلعتها التقنية وأفقدتها أبعادها. وشهدت محافظة القطيف ليل أمس فعاليَّات الموروث الشعبي الأكبر للعرس الخليجي، في أجواءٍ احتفاليَّةٍ عزَّزتها الأهازيج الشعبية التي تحكي قصة الإنسان القطيفي عبر مراحل حياته المختلفة. وتعرف ليلة النصف من شعبان بحسب الباحث في التراث الخليجي عبدالله الشايب بالناصفة أو بليلة النافلة، وهي بذلك تعدُّ ليلة لها فضائل كثيرة عند كثير من المسلمين على اختلاف مدارسهم الفقهية التعبدية، وتحييها الدول الخليجية وبعض البلدان العربية كمصر رسمياً على مستوى الدولة. ويوضح الشايب أن بعض الناس يخلطون بين ليلة النصف من شعبان وليلة القرقاعون الذي هو منتصف رمضان، و«قرقاعون» لفظ عامي مأخوذٌ من قرع الباب، وذلك لأن الأطفال يقومون بقرع أبواب البيوت في هذه المناسبة فسُميت المناسبة بالقرقاعون، أو هو مشتق من «قرَّةُ العين» وهو ما فيه سرور الإنسان وفرحه. وأشار إلى أن الناصفة ارتبطت كذلك ببعض المظاهر التقليدية والموروثات الشعبية، ومنها الاهتمام بالأطباق الشعبية وإهداؤها للجيران والأحباب، كما ارتبطت بخروج الأطفال على شكلٍ يوحي بكرنفال، ذي طابع حركي عفوي، في مجموعات يحملون أكياساً يجولون على البيوت طلباً للناصفة، وهي عبارة عن مكسرات وحلويات وفول سوداني وهو المعروف محلياً في اللهجة الدارجة ب «السبال»، وقد تكون بعض المال، مرددين أغاني شعبية، وعندما يعطيهم أهل البيت الناصفة يُعبر الأطفال عن شكرهم. ترابط اجتماعي ويبيِّن أن هذه الاحتفالات لها دلالات اجتماعية وترفيهية، وهي نمط من أنماط التعاون والترابط الاجتماعي والروح الجماعية والأسرية العامة التي تميز أهالي الخليج العربي، وتهدف إلى غرس قيم الكرم والبذل في نفوس الأطفال وحثهم على المشاركة الاجتماعية، وإخراج الصدقة عند المرور على بيوت المحتاجين، وتظهر جلياً خلال كلمات الأهازيج البسيطة المرافقة للاحتفال ومن أسلوب الاحتفال نفسه. ويستعد الأهالي في محافظة القطيف والأحساء لهذه الليلة استعداداً يلائم المناسبة، حيث تقوم كل أسرة بشراء الناصفة، وهي عبارة عن خليط من المكسرات، والفول السوداني والحلويات، وبعض الهدايا التذكارية، والألعاب، والمشروبات الباردة في فصل الصيف، وتوضع أمام الأبواب في «قفة» أو على حصيرة، مزينة ببعض الاكسسوارات الشعبية المعروفة قديماً، وتترك في انتظار أطفال الحي. وتزينت الشوارع والقرى في مختلف أرجاء القطيف بأبهى حليها وزينتها، إذ تدلَّت المصابيح الملونة، متلألئة على الجدران، كما تهيأت المساجد مبكراً لاستقبال الزوار بتعليق قطع القماش المتنوعة الزاهية الألوان والمطرزة بالخيوط الذهبية، بالإضافة إلى انتشار الطاولات على مداخل الأحياء حاملة شتى صنوف الحلويات والفطائر والعصائر الباردة. وتبدأ مجاميع الأطفال أولاداً وفتيات في التوزُّع على الأحياء، يحمل كل واحد منهم كيساً بلاستيكياً أو مخيطاً يسمى ب «الخريطة» بعد صلاة المغرب مباشرة في عموم محافظة القطيف، أما في سيهات وصفوى فإنها تبدأ عادة في فصل الشتاء بعد صلاة الظهر مباشرةً حتى منتصف الليل، مرددةً أهازيج خاصة بهذه المناسبة، ومنها «ناصفات حلاوات على النبي صلاوات». اختلف زي الفتاة في الوقت الحاضر عن الماضي في ليلة الناصفة، بعد دخول الأزياء الحديثة على الملابس التقليدية كالبخنق «اللباس التقليدي للفتاة في القديم»، ولكن ظلت كثير من الأمهات محافظات على التقليد في اختيار الزي المناسب وتزيين فتياتهن، أما الأولاد ليس لهم لباس محدد، فهم يلبسون الملابس المتوافرة «الثوب التقليدي» إلى جانب «القحفية» طاقية الرأس، أو»السديري»، إلى جانب الملابس الحديثة.