تمتد السفرة أمامك بما لذ وطاب، وتكاد أن تموت من التخمة وشدة الشبع؛ أما هو فلم يجلس على ربع سفرة مثل سفرتك طوال حياته، وسيعتبرها من علامات نهاية الزمان لو تيسر له بعض ما يتيسر لك من بذخ؛ لقد كنت مثله وأسوأ فلماذا لا تشكر النعمة كي تدوم؟! أطفاله يحلمون اليوم بربع ما لدى أطفالك؛ لم يجربوا أبداً زحمة الألعاب المتناثرة في كل زاوية من البيت، وليس لديهم جوالات نهائياً، ولا ملابس تصيبهم بالحيرة حينما يخرجون لأنهم لا يعرفون كيف ينتقون أحلاها.. ألا يذكرك وضعهم هذا بوضع أبنائك قبل النعيم؟! أولاده الذكور يذهبون إلى المدرسة مشياً على الأقدام، وليس لديهم ترف تغيير الثوب في كل مناسبة مثل أولادك، وبالطبع فهم ليسوا مشغولين بترتيب حجوزات السفر والبحث عن مقعد بالواسطة كي يستمتعوا بالسفر.. لا تظن أنك بمنأى عن استدارة الزمان!! لقد كنت مثله وكان أولادك مثل أولاده تماماً؛ فلماذا نسيت أو تناسيت طريق العذاب؟ ألم تعلم أن الذين ينسون سيرتهم الأولى بسرعة، ويظنون أنهم أصبحوا بمنأى عن الفقر والحاجة هم أقرب للخطأ والتبديد ومن ثم العودة إلى نقطة الصفر؟!! في مجتمعنا ظواهر فجة وجحود ونكران؛ من الذين كانوا حتى الأمس القريب تحت خط الفقر، وحينما ابتسمت لهم الدنيا بالغوا في المظاهر، ونسوا أن الله وحده هو من أتى بالنعيم، وهو وحده من يزيله في غمضة عين.. تواضعوا قليلاً رحمكم الله، و لا تعتقدوا أنكم بمنأى عن تقلبات الأيام والليالي، وتذكروا البائسين حولكم، وما أكثرهم!!