لا يفرق لصوص المواقع الأثرية بين ما إذا كانت القطع الأثرية التي يعثرون عليها من (دفن المسلمين) أو من (دفن غير المسلمين). وتبعاً لذلك لا يحفلون بالجانب الشرعي في هذا الموضوع ولا يلتفتون إليه، فهم يجوبون الصحارى الشاسعة والأماكن الموحشة بهدوء ويتفحصونها بروية، بحثاً عن القطع المعدنية والذهبية وكل أثر نادر، متسلحين بأجهزة كشف المعادن وبعض المهاول الفلكية والتنجيمية أحياناً. كل أحاديثهم في غاية السرية ولا يمكن لأي معلومة يمتلكونها أن تظهر على صفحة المجتمع. ففي عرفهم تسريب المعلومة خيانة كبرى للمجموعة، يدفع المسرب بسببها أثمانا باهظة. إن هذه الممارسات غير المشرفة تستنفذ المخزون الأثري الوطني الذي لا يقدر بثمن من قبل مجموعات نهمة للأرباح الزائلة. الأمر الذي يستلزم منا طريقة جديدة للتعامل مع من زلت به القدم في هذا الشأن، للتعرف على أماكن القطع المهاجرة والمطالبة بها حسب القانون الدولي للآثار. وكذلك لكشف المخزون الخبيء في بعض المتاحف الشخصية داخل الوطن. الأكثر إيلاماً في هذا الموضوع أن شريحة ممن يمتهنون البحث عن الآثار يائسون من إيجاد وسيلة شريفة للكسب، حيث لا يمر على بيوتهم درب من دروب العطاء، وهم بحاجة لمن يحتويهم ويستفيد من خبراتهم أكثر من حاجة القانون لمعاقبتهم. وواجب المنع يحتم علينا واجب إيجاد البديل، والا فإن كل محاولاتنا لحماية الآثار الوطنية ستكون محاولات عبثية بائسة، إذا لم ننفذ إلى تلك الجراح الخفية والمثخنة في أسرهم التي تجبرهم على بيع التاريخ الثمين، رغم أنهم مدركون تماماً أنه تاريخ الوطن. إن الأجنبي الذي يشتري القطع الأثرية يصنع الفخ بإتقان شديد، فهو يأتي معك متظاهرا بالمساعدة وينتهي به المطاف أن يثري متاحف بلاده بتاريخنا وآثارنا، مستثمراً كنوزنا التاريخية استثماراً ثقافياً دائم الربحية. فقصص الخسائر الثقافية في الوطن العربي لا تنتهي ابتداءً من (تل حلف) في سوريا ومروراً ب (المتحف العراقي الوطني) وانتهاءً ب(خزانة الوثائق العراقية).