قد نقرأ تاريخ بلد أو أمّة أو شعب من خلال ما كتبه المؤرخون أو سجله الباحثون والمهتمون من علماء وشعراء وأدباء، فحينما نقرأ لعلامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر في بلادنا، أو نقرأ كتب الرافعي في مصر، أو نبحث في نتاج الدكتور مصطفى جواد في العراق، وغيرهم من الأعلام وأساطين العلم والأدب والفكر والثقافة، فإننا قد نجد ما يقترب من ذلك في القيمة التاريخية والمعرفية والثقافية حينما نزور متحفاً وطنياً يهتم بحفظ الثقافة المعاصرة كاهتمامه باحتضان التراث، ويحرص على إبراز الهوية الثقافية المعاصرة بالحرص نفسه على محافظته على الإرث التاريخي والتراث المادي لدى ذلك البلد أو الشعب أو الأمّة. وإزاء ذلك تتم ملاحظة تطور كبير في تعريف المتحف لدى المختصين على مستوى العالم، بين ما هو الآن وبين ما كان عليه في بداية ظهوره، إذ الجدير بالذكر أن المتاحف تعتبر ليست قديمة المنشأ، بل تنطوي أصولها على نوع من الحداثة في تاريخ البشرية الثقافي. وبالتالي فالمتاحف اليوم هي مؤسسات في غالبها ليست ربحية، وذات أهداف تنموية من خلال إسهامها في حفظ هُويّات الشعوب، وإبراز الآثار والمعالم المادية والفكرية التي تأخذ أبعاداً تاريخية، كما يُستدل بها على الواقع الثقافي في نقلاته الزمنية المختلفة رغم تباينات الظروف واختلاف الأحداث. أما ما لدينا فنجد أن المسمى الحالي للجهة المسؤولة عن هذا الشأن، وهي الهيئة العامة للسياحة والآثار، قد تم حذف لفظة المتاحف من الاسم القديم الذي كان ضمن إدارة المتاحف والآثار، التي كانت تابعة لوزارة المعارف أولاً، ثم وزارة التربية والتعليم بعد تغيير الاسم، والأمر الغريب أنّ علم المتاحف هو علم مستقل بنفسه، وليس معادلاً ومساوياً لعلم الآثار، الذي هو الآخر له فروعه واهتماماته الواسعة، وإنما العلاقة بينهما علاقة ترابط وتكامل. والأمر الذي ليس معروفاً حتى الآن هو متى يتم البدء في إنشاء المشروع الذي قرأنا عنه منذ سنوات، وهو مشروع متحف الدمام الذي يأتي ضمن المتاحف الوطنية، التي تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وهو الآن في مبنى غير مهيأ أبداً أن يكون متحفاً، وإنما هو مجرد مخزن لقطع آثار متنوعة، وذات قيمة تاريخية كبيرة، كما يشير إلى ذلك المعنيون، ولكن الحديث هو عمّا له صلة بالخطوة التطويرية، حيث تم وضع حجر الأساس لمبنى المتحف في يونيو (حزيران) عام 2011، بمساحة بلغت حينها 17.8 ألف متر مربع، ويضم في المخطط المعد له سبع قاعات، وقاعة للعروض الزائرة، وقاعات الفصول التعليمية، وقسم الترميم للقطع الأثرية، والمكتبة ومكاتب الباحثين، وقد استبشر القائمون على المتحف خيراً، فهو سيكون معلماً سياحياً مميزاً للمنطقة الشرقية، إذ إن المعروف أن تكون إطلالة المتحف المذكور على الواجهة البحرية لمدينة الدمام، ولكن المشروع دخل مرحلة الركود والتأخر، وليس هناك توضيح من هيئة السياحة والآثار بموعد يحسم الأمر، ما يعطّل التنمية السياحية للمنطقة التي تتمتع بموقع جغرافي وواجهات بحرية على مياه الخليج العربي، التي تعرف أسيافها وشواطئها بالجمال ولون التراب الساحر، ما يجعل أبناء مناطق المملكة يجعلونها وجهتهم السياحية خلال الإجازات الموسمية وغيرها. ولكن سيناريو مشروع المتحف الحلم تغير أيضاً، إذ تغيرت المعطيات بعدما تغيرت الأرض المخصصة للمتحف، بسبب عدم مطابقة المخططات ووثائق المشروع للأرض الجديدة، التي تم تخصيصها بعد التصميم، والجميع ينتظر أن ينتهي المشروع قريباً بعد هذه المدة التي طالت، بينما يتسبب التأخير في خسائر كبيرة على مستوى التنمية السياحية في بعدها الثقافي، ولا يساعد على تكوين بيئة سياحية جاذبة، لاسيما ونحن نعيش في إقليم تتجاور بلدانه الشقيقة، ما يعطي السائح من المواطنين وغيرهم أن يبحثوا عن بيئة سياحية أخرى ما دام أنها لم تتوافر في بلدهم. إن الواقع السياحي في المنطقة بحاجة ماسّة إلى عناية أكثر وتنمية أكبر، خاصة أن هناك نمواً في مستوى الوعي وبروز مفاهيم السياحة الثقافية والترويحية كمفهوم حياتي وضرورة إنسانية تشكّل قناعاتٍ، وتتماهى مع الأمزجة المعاصرة وسط تحولات كبيرة على المستوى الاجتماعي والثقافي لدى المواطن، نتيجة النقلات النوعية التي تفرزها التحولات المستمرة في المفاهيم على مستوى العالم، التي صارت واقعاً نعيشه ونراه ونسمعه في كل لحظة. نقرأ بين فترة وأخرى أن هناك وفداً يزور المنطقة سواء تحت مظلة رسمية أو حضور مجتمعي، ويجد مستضيفو هذه البرامج صعوبة في تنظيم زيارات تعريفية بتراث المنطقة وثقافتها نتيجة غياب المتاحف، ما يجعلهم يبحثون عن بعض المهتمين بجمع بعض المقتنيات التراثية ذات المعاني الفلكلورية الشعبية غالباً، وبعض الاهتمامات الفكرية والمعرفية التي تحتاج لقدرات واستعدادات تفوق ما يمكن أن يتصدى له الأفراد، الذين يتخذون من منازلهم الخاصة مكاناً باعتبارهم هواة أو مهتمين في حفظ بعض ما يمكن أن يطلق عليه اشتغالات فلكلورية وتراث شعبي في مجمله. إن الأبعاد الحضارية للمجتمعات لا يمكن الوصول إلى آفاقها دون رؤية حقيقة، ودون فعل حقيقي للتنمية في هذا الشأن، وإلى أن يتم افتتاح متحف الشرقية، سنعيش حلماً.