أعلم أن كتابتي هذا المقال مبكرة جداً، ولا يجب أن أقلق من الآن باحتمال إصابتي لا قدر الله بمرض الزهايمر. لا أدري هل هو الخوف من خيانة الذاكرة بأن تسرق كثيراً من الذكريات والتفاصيل الجميلة التي عشتها في حياتي؟ أو هو رفض نسيانك أنت بالذات؟ هذا الأمر المرعب استدعاني لقراءة الكثير عن مرض الزهايمر لأتعرف على أسبابه وطرق الوقاية منه وآخر ما توصل إليه العلم لعلاج المصابين بهذا المرض، لا ننكر أننا نتمنى أن ينسدل ستار النسيان في بعض الظروف القاسية لينهي فصلاً مؤلماً أو ليبري جرحاً عميقاً، وغالباً ما يظل الستار عالقاً ومتشبثاً بذكراه. يزعجنا نسيان الهاتف المحمول أو نسيان موعد، ولكننا لا ننسى تلك النافذة المفتوحة على مشهد أو موقف مررنا به إلى أن يتكفل الزمن بإغلاقها عندما يهدينا «زهايمر» بالمجان. ولعلنا نلاحظ أننا ننسى أشياءنا وأغراضنا ومواعيدنا لكن لا ننسى مصدر آلامنا، نحن في الحقيقة لا نريد أن ننسى حتى وإن كنا بحاجة لذلك، ولا ننكر أنها عملية ليست بالهينة؛ لهذا قالوا إن النسيان نعمة، وهنيئاً لمن فاز بهذه النعمة. أعتقد أن مرض الزهايمر هو في حقيقته عبارة عن عملية تكتيكية خفية قام بها العقل الباطن استجابة لنداءات واستنجادات العقل الواعي فيما مضى، فأتى ليأكل الأخضر واليابس، وهو أشبه بالفيروس الذي يصيب الأجهزة الإلكترونية الذكية المختلفة فنقوم بفرمتة الجهاز، وإذا لم ينجح الأمر فلا بد من شراء جهاز جديد، وربما يأتينا هدية ممن نحب لكن مع الأسف إننا لا نستطيع الحصول على (مخ) جديد، وبمناسبة ذكر الهدية فأنا لم أتلقَ في حياتي كثيراً من الهدايا، ربما هي تفهم طبعي بأني أحب تقديمها أكثر من محبتي تلقيها، ولأن الله أهداني أشخاصاً يغنون عن كل الهدايا، وليس لي يد إن رحلوا، أيّاً كان شكل ذلك الرحيل، فأقصى ما أتمناه أن لا يرحلوا عن ذاكرتي أيضاً؛ لذا أرفض هذه الهدية المجانية التي تنسيني أرشيف حياتي وما قدمت فيها من عمل، وعندما تدبرت قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) اهتديت إلى أن هذا (الزهايمر) يحمل رسالة تنبهنا لمراجعة ملفاتنا قبل أن يتلفها، ويدعونا لاغتنام الفرصة باستخدام التطبيقات المتاحة الآن؛ لنقدم أعمالاً فيها من الخير ما يجعلها شاهداً حياً يحيي ذكرانا حينما تخوننا الذاكرة ونحن لا نزال على قيد الحياة، وهنا تحول القلق لدي من خطر الإصابة لأجدني ألغي ملف طلبات النسيان وأستبدله بعمل تحديثات وإضافة برامج ذات قيمة إنسانية واجتماعية أدعو الله أن يحفظها لي في الميزان ويذكرني بها خلقه بالخير. همسة من أرشيف الذاكرة: أحبتي.. أرجوكم كونوا أقوى من النسيان، فأنا لا أستطيع عمل نسخة مخبأة لملف العمر، واسكنوا كل مكان في ذاكرتي؛ فلقد رويتها بماء حبكم، وغرست فيها الأمل؛ لأنه الشيء الوحيد الذي لن يتمكن منه الزهايمر.