المُطّلع على توصيات رؤساء الأندية الأدبية التي أُعلن عنها في أعقاب ملتقاهم الأخير الذي عُقد في نادي الجوف، يلحظ أن جُلّ التوصيات مكررة بدءاً بتوصيات الملتقى الأول الذي عُقد في نادي الطائف الأدبي، وتلاه ملتقى أدبي الأحساء، ثم ملتقى أبها، وأخيراً ملتقى نادي الجوف الأدبي، وإذا كانت الذاكرة البشرية في كثير من الأحيان معرضة للنسيان، فإن السيد «قوقل» أكثر دقة في حفظ واختزال تلك المعلومات التي ردمناها في هوامش الذاكرة لتكون الذاكرة الرقمية هي الشاهد، «وقوقل» يقول إن هناك تشابهاً في توصيات ملتقيات رؤساء الأندية الأدبية، أبرزها المطالبة بزيادة الدعم المالي إلى ثلاثة ملايين ريال مع تخصيص مائة ألف ريال كدعم خاص للجان الثقافية، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، رغم الإلحاح في الطلب، كما جاءت توصية بأهمية وجود مشروع ثقافي كبير يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يدفع نحو تنمية ثقافية تضاهي مكانة الوطن السياسية والاقتصادية، ورغم أهمية هذه التوصية وقيمتها الفكرية والثقافية إلا أن التصور لهذا المشروع لم يتحدث أحد عن تفصيلاته سواء من اللجان المكلفة أو من مسؤولي وزارة الثقافة والإعلام رغم مرور سنوات على هذا المقترح، وتوصية أخرى تدعو إلى مد جسور التعاون بين الأندية نفسها، وبينها وبين المؤسسات التي تتفق مع مضامين أعمالها كالجامعات، والتربية والتعليم، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، ولا أدري ما الذي يمنعها -أي الأندية- من عقد شراكة في هذا الشأن؟ وهل تحتاج إلى توصية؟ وهي من صميم عملها، فضلاً عن رغبة الأندية في مزاحمة وزارة الثقافة في تنظيم وتنفيذ أنشطتها الرئيسة كمعرض الرياض الدولي للكتاب ومؤتمر الأدباء السعوديين، دون التفكير في ابتكار منشط ثقافي بارز يخصها، وثمة توصيات أخرى أظن أنها تندرج ضمن مهام وأعمال الأندية كتعزيز اللحمة الوطنية، وتأصيل ثقافة الانتماء، وصيانة مكتسبات الوطن، لذا تخرج من سياق التوصيات، ولما يُمثله الملتقى من أهمية كبيرة في كونه يجمع نخبة من المثقفين والأدباء وهم رؤساء الأندية الأدبية، فأظن أن تكرار التوصيات يعطي مؤشراً بأن الاجتماعات تدور في حلقات متشابهة، وسيأتي ملتقى آخر وتُطرح ذات التوصيات، فالأندية أمام مرحلة مهمة إما أن تثبت وجودها في خدمة الفعل الثقافي وكذا المثقفين بكل أطيافهم من خلال رؤية بعيدة وخطوات عمل واضحة سعياً للارتقاء بالمشهد الثقافي ليواكب الحراك التنموي والحضاري اللذين يشهدهما وطننا الغالي في كافة الجوانب، ولمّا كانت الأندية الأدبية يُعوّل عليها بالدرجة الأولى للارتقاء بالثقافة من المحلي إلى العالمي، بوصفها حاضنة للمبدعين ومعملاً لإنتاج الثقافة، فإن هناك اقتراحات في ظني ذات أهمية، على الأقل نبتعد عن التكرار الذي أصاب مفاصل تلك الملتقيات، خصوصاً التوصية التي تتعلق برفع الميزانية، وهذا شأن وزارة الثقافة لتقنع وزارة المالية، لاسيما أن الظروف تغيرت عمّا كانت عليه سابقاً، فالمليون ريال في واقع الأمر لم تعد كافية في الوقت الراهن للتغيّر الذي طرأ على كل شيء بدءاً بقيمة تذكرة السفر وتكلفة الإقامة والإعاشة لضيوف النادي المشاركين في الأنشطة المتنوعة، أو أجور المباني وخلافه، فالميزانية التي كانت في وقت مضى تؤدي غرضها الآن لا تفي بما يطمح أي نادٍ إلى تقديمه من أنشطة متنوعة تروق لشرائح المجتمع، المسألة عن مدى قدرة وزارة الثقافة في إقناع وزارة المالية، لاسيما أن الثقافة أحد أهم المرتكزات التنموية لأي مجتمع من مجتمعات الدنيا، والدعم مهم كي تستطيع الأندية تحقيق كامل أهدافها، إلا أننا نلحظ أن التوصيات مكررة، ليتهم أوصوا بعقد ملتقاهم مرة في كل عام أو عامين مع طرح المواضيع ذات المساس بالثقافة كالاهتمام بالنشر المشترك وتكثيف الاهتمام من أجل حضور المثقف والأديب السعودي في المشهد الثقافي عربياً وعالمياً، وتكريس الاهتمام بكيفية توزيع إصداراتها سواء عن طريق شركة تتفق على تأسيسها، لأن هناك مشكلة في توزيع إصدارات الأندية، ولا يكفي ظهورها بشكل طيف سريع عن طريق جناح صغير في معرض الكتاب بالرياض، أما تلك التوصية التي تدعو إلى التقويم والمراجعة المستمرة للبرامج والفعاليات التي تقيمها الأندية الأدبية على أساس علمي لم أرَ أو أقرأ مراجعة خلال العامين الماضيين سواء على أساس علمي أو حتى انطباعي، في ظني أن الثقافة بوضعها الراهن تحتاج إلى لملمة لكل ما يمت بالثقافة كالأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والمكتبات العامة لتشكل بيتاً ثقافياً واحداً، ليت المقترح المتعلق بتأسيس مراكز ثقافية يكون في أولويات الوزارة وكذا الأندية الأدبية من أجل ثقافة تُسهم في خدمة المجتمع بدلاً من العلاقة شبه المنفصلة التي نلاحظها بين فروع الجمعيات والأندية الأدبية..